ليلة القلق الطويلة

mainThumb

22-04-2016 12:00 PM

استسلمت ليلة أمس إلى التفكير .. أخذت أضرب أخماسا بأسداس .. متى ؟ كيف ؟ لو .. لكن ، واستغرقني التفكير فلم أنم , نهضت من الفراش متكدرا بعد الثانية والنصف بقليل . وكنت قرأت ذات يوم مقالا لكاتب يتحدث فيه عن القلق وقال بأن أنجع دواء له هو القراءة فتوجهت إلى حيث مكتبتي المتواضعة وتناولت أول كتاب وقعت عليه يدي فكان كتاب الأمالي لأبي علي القالي .. كدت أفتحه ولكنني توقفت قليلا .. ماذا قصد الكاتب عندما نصح بالقراءة ؟ هل هي قراءة كتاب الأمالي ؟ أشك في ذلك .. أغلب الظن أنه قصد قراءة كتاب سهل لا وعورة فيه ولا تعقيد ، هل قصد كد الذهن مثلا والذهن مكدود بطبيعته .. لا علينا .. ليقصد ما يقصد .فتحت الكتاب على الفهرس وأخذت أطالع العناوين بكسل وفتور شديدين حتى وصلت إلى هذا العنوان ( ما قيل في طول الليل ) فتنبهت حواسي وفتحت الكتاب على ما وقع اختياري عليه وأخذت أقرأ ما قالوه في طول الليل قال أحدهم 
 
أكابد هذا الليل حتى كأنــما                     على نجمه ألا يغور يمــــين
فو الله ما فارقتكم قاليا لكم                    ولكن ما يقضي فسوف يكون
 
ليطل ليله كيف يشاء فقد نزح وفارق أحبته ومهما طال ليله فلا بد أن خيال من فارقهم يشغلونه ويشغلون وقته ولطول ليله العذر .. أما أنا فلم أفارق والحمد لله أحبتي ولم أنزح بعيدا عن الدار فأي عذر لطول تقلبي على الفراش ؟ وعندما أقرأ ما قاله ( حندج بن حندج المرّي ) ايام كان في مدينة صول في سنيّ الدراسة :
 
في ليل ( صول ) تناهى العرض والطول   كأنما ليله بالصبح موصول
لا فارق الصبح كفي إن ظفرت به         وإن بدت غرّة منه وتحجيل
 
أحسّ بأن ليله مثل ليل امرىء القيس لا يكاد ينتهي وكأن ذباله مشدود إلى النجوم .
 
وحين يقول ( العباس بن الأحنف ) :
 
أيها الراقدون حولي أعينو                   ني على الليل حسبة وائتجارا
حدثوني عن النهار حديثا                    أو صفوه فقد نسيت النهارا
 
أعجب لمثل هذا التناول وهذا في منتهى الإبداع .. لقد نسي النهار وصفته
 
ولكن أين تكمن علة قلقي الحقيقية هل هي في طول الليل ؟ يقول بشار
لم يطل ليلي ولكن لم أنم                    ونفى عني الكرى طيف ألمّْ
 
ويقول الفرزدق :
 
يقولون طال الليل والليل لم يطل            ولكن من يبكي من الشوق يسهر
 
ولكنها هذه المرّة ليست بالشوق ولا بالطيف الذي ألمّ ولكنها خيالات وأفكار شتى وأحلام وأوهام وبناء قصور على الرمال وفي الهواء ليس أكثر .
 
حين ارتديت ملابسي في الصباح وسرت في طريقي إلى العمل التقيت صاحبي كنت متكدرا فهممت بمتابعة السير ولكنه استوقفني وقال متأففا لم أنم ليلة أمس .. تأملته جيدا كان وجهه مكدودا كوجهي تماما ..احسست بالرثاء له والشفقة عليه وقلت :
إذا أردت أن تستغرق في نوم هادىء عميق .. دع التفكير جانبا .. ودع الأمور تجري في أعنتها .. ومضيت لحال سبيلي .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد