رسالة إلى النائب الجديد

mainThumb

24-09-2016 01:52 PM

الحمد لله وحده و بعد :
أولا : لا أهنؤك ، و لا أحبذ أن تقبل التهاني فضلا عن أن تحتفل بما تسميه فوزا لك . إذ المغالبة لا تأتي بخير بين الإخوة و لا حتى فيما بين غيرهم ، و إن ما تعده فوزا إنما هو حظ ساقه الله إليك من غير حول منك و لا قوة ؛ فما هو بفوز ، و فوق أنه حظ لا كسب لك فيه على الحقيقة ؛ فهو مسؤولية جسيمة ستسأل عنها يوم القيامة ، لكنك أبيت إلا أن تتعرض لها لظنك أنك أهل لنفع مجموع الناس فلك منا الدعاء و النصح لكن لا تجعل من الاحتفال باجتياز عقبة الانتخاب ثقافة راسخة بل أفهم الناس الأمر على حقيقته ، ثم استعن بالله و ابدأ العمل .
ثانيا : حافظ على نزاهتك سيما إزاء إلحاح الناس أن تحابيهم على الآخرين ، و إزاء ضغوط دوائر النفوذ في الدولة و المجتمع الجلية منها و الخفية ، و الناعمة منها و الخشنة . و تذكر أن قوتك في نظافة يدك و براءة ذمتك ، و أن قوة شعبك في قوتك كممثل سياسي لهم .
ثالثا : لا تتخندق ؛ و إن تحزبت أو انتميت إلى تيار سياسي أو اجتماعي ، فما أمات العرف بين الناس و مزق نسيجهم إلا التخندق تجاه أخي المجتمع و إزاء شريك العمل العام . و إن جهل عليك أو على جهتك التي أتيت منها أحد ما أو جهة معينة فأعرض و اصفح و تجاوز و لا تدع الرفق ؛ ف ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، و ما انتزع من شيء إلا شانه )  . و إن عاد عليك بالجهل فعد عليه بالرفق ، و إن قابل إحسانك بإساءة فزد في إحسانك ، و لا تدع العنف منك يبدو ، فشياطين الإنس يتحينون فرصة لالتقاط صورتك الفجة فيذيعوها ليشوهوا سمعتك و يغبروا على عملك الصالح .
رابعا : اعلم أو تذكر أن البلد في ضيق ، و أن الأمة في دور الهزيمة ، و أن قوى الاستكبار تتحكم في قرار الوطن خلا مساحات صغيرة هي ميدان عملك و عمل الساعين من أمثالك ممن هو داخل العملية السياسية أو خارجها . فكن عالما بالطرق النافذة مشتغلا شغلا نافعا مبتعدا عن الطرق المنسدة غير مشغل نفسك و شركاءك في ترهات الخيانة و السلامة . 
خامسا : إن كنت تلف لف المعارضة فأنصف و تأمل ؛ فستجد الدولة العميقة في الأردن تشتمل على خير كثير ؛ لا كنماذج معلومة مشيطنة ، و أنها تصلح أن تنقى و يبنى على منجزاتها الجيدة بالرفق مع الشفافية ؛ دونما جور و لا مهادنة . 
و إن كنت تلف لف الدولة العميقة فأنصف و تأمل ؛ فستجد المعارضة في مجملها غيورة خيرة و إن ساء ظنها أحيانا أو طاش صوابها إزاء هجمة أجهزتك عليها  أو بسبب من أمراض النفوس التي تعلمها مما يعتري بني آدم أفرادا ومجموعات.
كن مشفقا متمهلا محسن الظن لا متصيدا أخطاء غيرك مسيئ الظن لمازا . 
سادسا : أنت في الأغلب ثري أو ميسور الحال ؛ لكن شعبك الذي تصديت لخدمته فقير ضعيف الحال ، فكن كأبناء شعبك متواضعا في ملبسك ، متواضعا في مركبك ، متواضعا في منطقك ، متواضعا في بسط نفسك للكبير و الصغير ، و للشريف و الخامل دونما تمييز أو انتقاء . و إنك في الأغلب ابن عشيرة كبيرة القد كثيرة العدد أو ابن فئة اجتماعية عريضة ؛ لكن شعبك الذي تمثله عشائر صغيرة و أفراد ، و فئات كثيرة و أضداد ، فكن ابن الجميع لا ابن العشيرة ، و صر ممثل الجميع لا ممثل الفئة .
سابعا : الناس أطفال عقول إلا من رحم ربك ، فكن أباهم العاقل في غير كبر و نم فيهم نوازع النضوج ، و اكشف أمام نواظرهم مواطن الخلل و أرهم محاط الآمال . لا تكن عاملا لنماء مادة المجتمع و حسب ؛ بل كن عاملا لنماء روحه أيضا .
ثامنا : بادر إلى تشكيل مجلس استشاري لك من عقلاء أطياف دائرتك الانتخابية و نزيهيها تجتمع و إياهم كل أسبوعين مثلا لتشاورهم في الأمر و لتعلم  من خلالهم أحوال الناس و مزاجهم العام دون أن يكون من وراء ذلك تخندق ضد أهالي الدوائر الأخرى أو اعتداء على حقوقهم .
أخيرا ؛ لا تدع الرفق في كل أمرك ، و لا تدع حسن الظن يغيب عن هواجسك و نظراتك ؛ و إن خذلك شركاء العمل السياسي مرة و مرتين و ثلاثة و أربعة ، فالناس مجبولة على إساءة الظن مائلة إلى التخندق عن الإلف . فاصبر و صابر و رابط على الرفق و اتق الله ؛ إن الله مع الصابرين . و اعلم أنك لو لم تنجز في مدتك من الخير إلا تربية الخاصة و العامة على فضيلتي الرفق و حسن الظن فقد أنجزت شيئا عظيما و إن بدا قليلا ، فلعله يؤتي أكله بعد حين رشدا و رحمة يتواصى بها الناس بينهم .
 
وفقك الله ، ثم أشكر سعة صدرك .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد