لماذا دخل الإسلاميون في الجدار ؟

mainThumb

29-10-2016 09:12 PM

دخل الإسلاميون في الجدار و أدخلوا معهم الأمة في ذات الجدار لأنهم فشلوا في التعاطي مع الواقع المعاصر . و إن سببا واحدا فقط هو وراء ذلك الفشل ؛ هو  المنهج الخطأ المتوارث في فهم النصوص الشرعية في سياقاتها الصحيحة - حيث إنها تمثل المنطلق - ، و الذي يعبر عنه بالفهم النصوصي ، و إن شئنا قلنا عدم اعتماد رد المتشابه من النصوص إلى المحكم منها كمنهج مطرد في تفسير أفراد النصوص الشرعية من قرآن و سنة و في تفسير مجموعاتها.
 
 و إن هذا المنهج النصوصي كان الزمن حريا بإزاحته وبفتح الطريق نحو ترشيد و إنضاج سوية العلماء لبلورة ما نص عليه القرآن من منهج  للفهم بقوله تعالى  ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) آل عمران 7 ، فلو أتيحت حريتا التفكير و التفسير لأنضجت المناقشات الفهم المستقيم للمفاهيم الإسلامية ؛ لكن أبى المتشددون من أتباع بعض علماء عصر الصحابة و التابعين إلا قمع كل فرصة للتفكير الحر و للتناول الموضوعي للنصوص الشرعية من قرآن و سنة بقمع أهله و بنبذهم اجتماعيا و سياسيا من خلال رميهم بتهمتي الابتداع في الدين واتباع الأهواء مع استعمال بطش سلطة بني أمية و عمالهم للفتك بهم و بكل من تسول له نفسه الخروج على النسق النصوصي الصارم فضاع الصواب و تخبط الناس حرهم و مقلدهم بسبب الكبت و التعدي على حق التطور الزمني المستقيم في الفهم .
 
   و هو الأمر الذي حرف البوصلة الإسلامية من أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم حتى يومنا هذا . و لعل من مبادئ ذلك و مما أسس له تصرف ابن عمر رضي الله عنهما عندما ذكر له معبد الجهني رحمه الله و أصحابه إذ قالوا في تفسير القدر اجتهادهم المعروف فغلظ في شأنهم أيما تغليظ ، و أخذت عنه الكلمة و طار بها من طار دونما شيء من إنصاف لهؤلاء القوم و لا للشريعة التي سيقت عنوة في مجرى لا يلائمها و لا يطلقها منذ تلك الحادثة و نظيراتها ، و صار الطعن على أصحاب الآراء المخالفة في الفهم ديدن كل غر مأخوذ ببهارج الأشخاص و مكاناتهم الاجتماعية ، و تجاوز الأمر الطعن في أصحاب الآراء الأخرى إلى الإقصاء ، والإقصاء إلى التضليل ، و التضليل إلى التكفير بل و القتل دون أدنى ورع و تقوى و باسم حماية الشريعة زعموا ! فصار بعد ذلك الإقصاء ثقافة الإسلاميين و من ورائهم المسلمون ، و صار الدين ما يقول فلان و يدندن حوله ابن فلان ، و صار المصفقون يسمون السلف الصالح و المخالفون يسمون أهل الأهواء !
 
إنه ما حرف المتعصبون المغلقون نصوص الإسلام من قرآن و سنة لكن حرفوا الأنظار عن روحها و مراداتها فجعلوها مشاجب مقدسة تعلق عليها عقدهم النفسية و اختياراتهم الصحراوية حتى أدخلوا الأمة في الجدار ؛ و إنه كان حقها أن تدخل فيه منذ قرون طويلة لولا أن كانت دولة القوة في صالح المسلمين على حين ضعف و تفرق و تقهقر من الأمم الأخرى آنذاك.
 
و إنه ما أن انكشف ظهر المسلمين عسكريا و سياسيا في مئة السنة الأخيرة و قويت الأمم الأخرى حتى بان عوار الفهم السقيم ، و ظهر من مكمنه طاعون العقول اللعين فصارت الأمة من فشل إلى فشل و من خيبة إلى خيبة و من هزيمة إلى هزيمة حتى لقد شبعت الأمم من إذلالنا و أشفقت على حالنا لكن لما تطمئن لنا و لما تثق في نوايانا التي يغذيها خليط فاسد من الأفهام العوجاء يتلحف هالة القدسية زورا و بهتانا !
 
لقد غبر على عموم المفاهيم الإسلامية الأساسية التي هي شديدة الخطر في توجيه حياة الناس داخل الأمة و خارجها ، بالغة الحساسية في تشكيل تصور الأمم الأخرى حولنا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من هوان و تقتيل و ذلة و تقهقر حضاري .
 
لقد أساء من سطوا على لقب الإسلاميين القديم من مختلف مدارس التعصب فهم تلك المفاهيم حتى حولوها أشياء أخرى على خلاف ما يريد الله منها - و الله أعلم بما يريد - ، ثم تابعهم عليها أكثر الإسلاميين المعاصرين فأدخلتهم الجدار الزمن الحاضر و أسقط في يدهم و لما ينتبهوا بعد أين هو مكمن الداء !
 
ألصق في مفهوم الإيمان - أخطر المفاهيم - أشياء كثيرة مغلوطة جعلت منه عائقا أن تنفتح عقول كثير من المسلمين و قلوبهم تجاه الحياة و ألوانها لولا عذوبة القرآن ، و جعلت منه عامل تحفز و تخوف لدى الأمم الأخرى خشية أن تقوم للمسلمين قائمة فينكلوا بها و يذلوها بما يظنون أن الإيمان الإسلامي يدعوهم إلى فعله حال الغلبة ، إضافة إلى ما جره ذلك الخلل في فهم الإيمان من اضطراب و حيرة في التعامل مع المدارس الفكرية و السياسية المعاصرة و مع أتباعها من زعماء سياسيين أو فلاسفة أو مريدين ؛ الأمر الذي خلق تهارجا و تضادا بين أبناء الأمة و أزمة ثقة مزمنة بين بعضهم البعض . 
 
لقد أدى سوء فهم المعتقد  إلى سوء ظن الإسلاميين المطلق بالحكام و مساعديهم و بالعلمانيين و بالليبراليين و بالمجتمع الدولي ؛ بل ببعضهم تجاه بعض ؛ فذاك سلفي جهادي و ذاك سلفي علمي و ذاك سلفي سلطاني و ذاك سلفي سروري ، و ذاك إخواني و ذاك تحريري ، و ذاك أشعري و ذاك صوفي و ذاك و ذاك ! و سوء الظن المطلق هذا قد أدى إلى أن اصطناع صراعات ناعمة و خشنة مع كل جهة من تلكم الجهات حتى اجتمع المتفرقون على حرب الإسلاميين و معهم الأمة ، و التأم شمل المتنافرين على قمعهم و وأد جهودهم ، و لا أدل على ذلك من تجربة الربيع العربي المريرة ، و التي وضعت فيها الشعوب الثائرة أوراق رهانها في كفة الإسلاميين لأنها تريد أن تعيش مرضية الله معظمة شعائره ، بيد أن الإسلاميين ما أحسنوا إدارة هذا الربيع و ما كان ينبغي لهم ذلك إذ لم يعدوا العدة لهذا اليوم تصحيحا للمفاهيم و انفتاحا على قلوب البشر و عقولهم ، فكانوا و من ورائهم الأمة هدفا للتدمير ناعمه و خشنه و غرضا لحرب بلا هوادة يحركها الانعدام التام للثقة بالإسلاميين من قبل القوى القاهرة و أدواتها . 
 
و إن المتأمل العارف بطبائع النفس البشرية و المدرك التطور القيمي الملحوظ الذي شهده العالم في العقود الأخيرة على ما يشوب ذلك كله ليعلم أن المسلمين كان أمامهم مسارات غير الجدار و إن كانت شائكة ، و ليعلم أنه إن أحسنا لأنفسنا بفهم صحيح للإسلام فسنتجنب كثيرا من شرور الأمم ، بل هناك مساحات شاسعة لدى العالم  الحديث للانفتاح على الثقافات البناءة الراقية التي لا ريب أن الثقافة الإسلامية الراشدة ستكون على رأسها .                        


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد