ما بعد الحقيقة

ما بعد الحقيقة

26-02-2018 09:41 AM

 ليست المنازعة حول دور روسيا في الانتخابات الأميركية على جدول حياة أحد. ولا خناقات دونالد ترمب مع الآخرين، من هيلاري كلينتون إلى الـ«سي آي إيه»، إلى الـ«إف بي آي» إلى الرئيس المكسيكي. فكل يوم يقدم ترمب إلى الصحافة الأميركية تغريدة تهرق من حولها أنهار من الحبر وبحار من لغة الكلام. وعندما يمتنع ترمب عن الكلام لأسباب غير مفهومة، تقدم زوجته صمتها وجمالها وآخر فساتين الأناقة، موضوعاً للصحافة تنشغل به إلى أن يكون الرئيس قد عثر على مساعد جديد يرميه من نافذة البيت الأبيض على بنسلفانيا افنيو.

وأعترف أنني توقفت عن متابعة أخبار ترمب ومواضيعه، حتى في «نيويوركر» أفضل مجلة قرأتها في حياتي. ولكن ما يعنيني في هذه الملحمة غير المسبوقة من السطحيات الإعلامية هو ما ينتج عنها من آثار على العالم أجمع، وخصوصاً على صناعة الإعلام.
لقد غرقنا فيما يسميه فرانسيس فوكوياما «عالم ما بعد الحقيقة». وأصبحت الأخبار الطاغية هي الأخبار المزيفة أو المفبركة، صوتاً وصورة ونصاً. والتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، مهما نفاه الروس وسخر منه لافروف، تحول إلى حقيقة، تماماً مثل الحملات الأميركية في الماضي على الحياة السوفياتية. ويعطي فوكوياما أدلة كثيرة على الأخبار والشرائط المفبركة في الحرب السورية وأوكرانيا وغيرهما.
لم تعد الكذبة إشاعة ترمى في الأسواق، بل تحولت إلى صناعة كاملة قد تحل ذات يوم محل الحقائق برمتها. وتجند الدول، وفقاً لأحجامها، آلاف الخبراء لمقاومة هذا التزوير، أو لصناعة تموير مضاد، إضافة إلى أنه لا رقابة ولا نظام ولا مسؤوليات أو ضوابط عند ملايين المشاركين في مواقع التواصل.
ويذهلني أن يطرح عليَّ شخص طبيعي سؤالاً عن صحة خبر يستحيل التصديق، وكان يخيل إليَّ أنه يحترم عقله أو حدسه أو مقاييس الواقع. وعندما أسأله أين سمعه، يقول الإنترنت، فأنصحه بالانتظار ربع ساعة إضافية، لأن المسألة ليست مسألة تصديق خبر ما، بل مسألة طبقات في القوى العقلية.
والجانب الطبيعي – والرديء – هو أن الناس تحب أن تصدق ما هو كذب إذا تناول خصومها. أو إذا دغدغ حاسة الشماتة ولذة التشفي عندها. وأيام «الورق» كانت هذه التجارة محدودة بسبب صعوبتها، أما الآن فلا نعرف متى نخرج من عصر ما بعد الحقيقة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

الأمن العام : مدافئ الشموسة أداة قتل داخل منازلكم

وزير الشباب: المنتخب الوطني قدّم أداءً مميزًا في مواجهة المغرب

السلامي: ولي العهد أخبرني بأن الملك سيمنحنني الجنسية الأردنية

ترامب يقول إنه سيلتقي نتنياهو “على الأرجح” في فلوريدا

الحوثيون يعتقلون عشرة موظفين يمنيين إضافيين في الأمم المتحدة

البوتاس العربية" تهنّئ المنتخب الوطني لكرة القدم بحصوله على لقب وصيف كأس العرب

الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع عقب موجة قرارات البنوك المركزية

علي علوان يفوز بجائزة هداف بطولة كأس العرب

الملكة تشكر النشامى .. "أداء مميز طوال البطولة"

احتفالات صاخبة في شارع محمد الخامس بالرباط بعد تتويج المغرب بكأس العرب 2025 .. فيديو

الملك يشكر النشامى .. "رفعتوا راسنا"

منتخب النشامى وصيفًا لكأس العرب 2025 بعد فوز المغرب في النهائي المثير بلوسيل

إحالة 16 موظفا في الإدارة المحلية إلى التقاعد

الأردن والمغرب إلى الأشواط الإضافية بعد تعادل مثير 2-2 في نهائي كأس العرب 2025

النشامى يتقدمون على المغرب بهدفين مقابل هدف