الإستسلام

mainThumb

12-06-2022 09:19 PM

يذهلني إخراج بعض القصائد في بعض المجلاّت أو في بعض الصحف فأقول في نفسي لولا أنّ هذه القصيدة أو تلك فرضت نفسها لروعة ما ورد فيها لما تجشّم المسؤول عن الصفحة لفت نظر المخرج لوضع القصيدة أوالمقال في مكان بارز جدّا ولكتابتها بالبنط العريض ولا بأس من أن يكتبها الخطاط باليد لتلفت الأنظار أكثر فأتهيّأ للقراءة مبعدا كلّ ما حولي وكلّ من حولي .. وأبدأ وأعيد ويرتفع حاجباي دهشة ثم يهبطان .. وأعيد القراءة علّني أكون السبب .. أحسّ أنّ تفكيري يخذلني أتهيّأ مرّة أخرى وأقرأ دون جدوى .. أنا لا أفهم ما أقرأ هكذا بكلّ بساطة لا أفهم ما أقرأ ويؤرقني الشكّ مرّة أخرى ..يرتسم أمامي على الهواء إجابة أبي تمام حين قال : ولماذا لا تفهم ما يقال ؟؟ فأعيد القراءة مرّة وثانية وثالثة ويظلّ الفهم مستعصيا عليّ فأتّهم نفسي بالجهالة وبعدم الإرتقاء بمستوى تفكيري بما يواكب العصر ولا يعيد الثقة إلى نفسي إلاّ همس صديق أشكو إليه فيقول :
ليس العيب فيك وإنّما في هذا الهذر الذي تقرأ .. كادت الموازين أن تنقلب هناك فرق شاسع بين كاتب يحترم نفسه وبين كاتب لا يحترم الذين يكتب إليهم ، ويستطرد صاحبي قائلا لو عدنا إلى الماضي قليلا لوجدنا أن أدباء عمالقة كانوا يخشون أن تكون أشعارهم أو قصصهم أو مقالاتهم ليست على المستوى المطلوب كانوا يخشون من أن تردّ مقالاتهم وأن تردّ قصصهم أو أن تردّ أشعارهم مع أنّهم كانوا يسهرون الليالي الطوال في تدبيجها وفي مراجعتها وفي تنقيحها ذلك لأنهم كانوا يحترمون أنفسهم ويحترمون المسؤولين عن الصفحات الثقافية وكانوا يحترمون مجتمعهم الذي يكتبون له فكان اصطياد الفكرة يؤرّقهم واصطياد العبارة البليغة كذلك .. أمّا في هذه الأيام فليس أسهل من أن تمسك بالقلم وأن تنفث ما فيه من مداد أسود على صفحة بيضاء مستعملا نقطا وفواصل وعلامات تعجّب وعلامات استفهام ولا تنس أن تنفث كلمة في السطر الأول وكلمتين في السطر الثاني فتصدق بأنّك أصبحت ما بين غمضة عين وانتباهتها شاعرا أو كاتبا أو قاصّا أو مسرحيّا أو حتى مؤرّخا ...
وأنظر إلى صاحبي طويلا هل هو جادّ فعلا ؟ وحين أحاول أن أعاود النقاش معه أجد أنّني لا أقوى على النطق وأن الكلام الكثير الذي أختزنه والذي أريد أن أقوله لا يصل إلى شفتيّ  فأستسلم ...
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد