اللباس الداخلي النسائي ولعبة طقس الحداثة

mainThumb

31-08-2022 01:15 PM

تعتبر زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر، عفوا لوهران تحديدا، التي اختارها أن تكون وجهة «مفاجأة»، فعلا تاريخية للسياقات والتصورات، التي تحيط بها، رغم أن الشعب لم يطلع بعد، وقد لا يهمه أن يطلع، على مضامين الزيارة الفعلية والاتفاقيات، التي حتما لا تخرجه من «الغرقة»، أي من الوحل. وحتما لا تسهل للبسطاء الحصول على «فيزا» وإقامة، إلا أنها استقطبت اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، الذين لم تخل تدويناتهم من السخرية والاستهزاء والسخط في غالبيتها عن تلك الزيارة المشبعة بالشعبوية. تحت عنوان «زيارة ماكرون لديسكو مغراب. لا شيء فيها غير مفهوم»، نقرأ على صفحة الإعلامي حمزة دباح، تدوينة مطولة، مما جاء فيها: «هناك حقيقة تغيب عن الوعي، إحدى أكبر النكبات، التي تعرضت لها الثقافة الجزائرية مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات كانت سطو فرنسا على» الراي» وإدماجه تحت آلة التصنيع الثقافي الفرنسي. لقد أخرجت موسيقى الكباريهات لتصبح فنا وطنيا». وبأن فرنسا «أخرجت الراي من علياء الملحون، وألقته في حضيض الكباريهات والمعجون. ويلاحظ من تابع مسار الرأي، الذي سطت عليه كيف سخرت فرنسا أذرعها الدولية لتعطينا وهما من الإحساس والانتشاء بالعالمية، يعني بعبارة ثانية علفتنا بتغذية شيء من النشوة الوطنية بوهم الصيت العالمي. ونحن كما نعلم لدينا ضعف حاد على صعيد هذا الوتر». وبهذا العمل الفرنسي على موسيقى وأغنية الراي، قامت فرنسا، حسب دباح، «بتدمير ثلاثة أشياء هي: تدمير بقية الطبوع، وتدمير الذائقة الفنية العامة، وتدمير اللهجة المحكية بالتهجين الفرنسي. ما نحتاج أن نعرفه، حسب الإعلامي هو «أن قطاع الثقافة في فرنسا ليس تسلية. إنه قطاع استراتيجي يتموضع في صدارة جهد تخطيط الدولة. وهو أحد أهم الوسائل في علاقاتها الدولية، وأحد أقوى أدواتها في صنع السياسة الخارجية».
وفي ختام منشور الإعلامي ينوه إلى أن «فن وراي وهران الأصلي أكبر وأجمل وأجود وأكبر ذائقة بكثير من ديسكو مغراب وراي الكباريهات والمعجون! إنه فن روائع الملحون، وفن الشيوخ الكبار أحمد وهبي وبلاوي الهواري والشيخ حمادة. وقائمة طويلة من أهل الذائقة العالية التي انقرضت من حياتنا منذ أن حلت عليها لعنة سطو الأخطبوط الفرنسي على الثقافة، التي نستهلكها في حياتنا اليومية وفضائنا العام وإلحاقها بقطاع فرنسا الخاص بالتصنيع الثقافي». وهناك من قام بـ«مونتاج» لمقر «ديسكو مغرب»، معتبرا إياه» مقام ولي» يستقطب الزوار، ومن هؤلاء الرئيس الفرنسي، وهذا ما نشرته الإعلامية رفيقة غربي على صفحتها «زاوية الشيخ بوعلام ديسكو». وأعادت نشره عدة صفحات.
وكتب على الضريح «مقام الشيخ بوعلام ديسكو». ونقرأ أيضا على صفحة هذه الإعلامية: «لنكن براغماتيين. ما لازمش يغيضكم الحال كيف راح ماكرون لزاوية الشيخ بوعلام. ديجي سنايك فرض وزنه وصيته العالمي وقدم l’oeuvre تاعه personnelle نوستالجيك أو «بدراهمه» وأعطت هذه النتيجة…نعم و نحسبوه شحال عندنا رجال أعمال وأشخاص استفادوا من الريع ولم يقدموا أي قيمة تذكر للثقافة والعلم. ماعندناش حتى مهرجان نستقبلوا فيه لجناس. ماعندناش حتى صناعة سينمائية نعرف بها أنفسنا ونواجه بها ما يتربص بتاريخنا وكأننا. الفن والثقافة في هذا الزمان هي القوة الناعمة لي ماعندناش». ولا نفارق «مقام سيدي ديسكو المبارك»!
نشر محمد كاديك كتابة ساخرة «هذا نشيد الدخول إلى مقام سيدي ديسكو المبارك. المستحسن أن يقرأ بأنغام نوري الكوفي، ولمن لا يستطيع، يجوز له استعمال أي نغم. المهم يقرأه قبل الدخول، حتى تعم البركة.
«سيدي ديسكو ما غراب جيتك زاير. اجاني في المنام نبرأ. تراني محتاجك يالسيد. لو كان نلقاك هذه المرة. مرة نبغي نزيد وحدة. ومرة نجري على الأخرى. مرة نبكي على الجناين. نخاف الطالب اللي يقرأ. ومرة نبكي على المطوع. ومرة تتلف لي الهدرة. ومرة نتفكرك زاهي. والراقاداح الراقاداح الرقاداح…أيواه».
أما بوزيد بومدين، فعبر عن اشمئزازه وتقززه في منشوره على «فيسبوك» «تجسير العلاقات مع فرنسا عبر أغاني المسخ!؟ تقززت اليوم وأنا أسمع مراسل «فرانس 24 « عادل قسطل عن إعادة ترتيب العلاقة بين الجزائريين والفرنسيين من خلال مغني الراب «ديجي سنيك» (من أم جزائرية وأب فرنسي) صاحب أغنية (أشطح أردح). المراسل وغيره ممن يحسبون أنهم يخدمون مدينة وهران الأصيلة أو يبنون مستقبلا لأجيال جديدة، كما قال ماكرون، في تصريحاته يتلذذ في تقديم وهران كمدينة فقط للراي والمجون والشطيح».
ويواصل منشوره بالقول مخاطبا الصحافي: «سي قسطل وغيرك ممن تجمعهم أغنية (أشطح أردح) ألم تتذكروا ألبير كامي وأغاني وهبي وبلاوي الهواري والمدينة الجديدة، التي كانت فضاء لكل أنواع الأغاني الوهرانية؟ ألم تتذكروا الأسقف الفرنسي الإنساني بيار كلافري، الذي لم يرحل من وهران، خوفا من الإرهاب وبقي يؤدي واجبه إلى أن تم اغتياله في وهران سنة 1996؟ الله يرحم من غنى. وأرجعه إلى رشده ووطنه من أعاد غناءها (وهران رحتي خسارة هجروا منك ناس شطارة).
أما علم الاجتماع مصطفى راجعي، فله رأي آخر في موضوع الراي وزيارة ماكرون، حيث كتب على صفحته الرسمية على فيسبوك: «كفى هجوما على أغنية الرأي. كفى هجوما على ثقافة الجزائريين. الراي فننا بلغتنا ويعكس قيمنا. الراي أصبح عالميا هذا مدعاة فخرنا. زيارة ماكرون لديسكو مغراب، هي اعتراف بعالمية فن الراي». ويواصل: «فلنحترم تراثنا وكفى احتقارا للذات الجزائرية، بهجومكم على الراي تظهرون تعاليا وتكبرا واحتقارا للجزائريين. الراي نتاج عبقريتنا وحريتنا وبه خرجت العديد من الأسر الوهرانية من الفقر والتهميش وتحسنت مداخيلها بعيدا عن البيروقراطية. لقد كان الراي هويتنا وتاريخنا، كذلك هو جزء من الجزائر الثقافية المتعددة. الراي هو هوية وهران وسيدي بلعباس». ويختم منشوره بشكره للسيد ماكرون على زيارته «ديسكو مغراب».
الراي الملف الذي مازال عالقا في درج اليونيسكو منذ 2016، والذي رفض الاعتراف به لأسباب تقنية وثغرات في إعداد الملف، رغم أن القضية أعمق بكثير. أهمها صراع الجماعات ومن يمتلك ذلك التراث، ومن جهة أخرى تهميش الباحثين الذين اشتغلوا على تراث الرأي، مثل المرحوم الباحث والاستاذ حاج مخلياني. لا تكفي العبقرية الشعبية وعبقرية البحث غائبة أو مهمشة. وهكذا قد تكون زيارة ماكرون ترويجا سياسيا وثقافيا مغلفا بطعم «حلو- مر» للملف لدى المنظمة اليونيسكاوية.

طقوس الملابس الداخلية النسائية

إذا كانت عروس تونس التي فضلت ارتداء «بيكيني» يوم زفافها، وهذا بعد أن نزعت فستان الزفاف الأبيض، كما هو معتاد. وإذا كان ذلك الحدث الذي تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي قد أثار موجة غضب وسخط الشارع التونسي، مع مساندة البعض لمثل هذه التصرفات، التي تعتبر شخصية، فإن فتيات ونساء عدة مدن مغربية قد خرجن بـ»تقليعة» أو «طقس» رمي الملابس الداخلية في الشوارع على المارة والمتفرجين. وهذا لجلب الحظ في الزواج، حيث كتب «أبو ريان عقيق» على صفحته على «فيسبوك»: «عادة جاهلية غريبة في موسم البحيرات، حيث تقوم الفتيات برمي ملابسهن الداخلية على الرجال، معتقدن أن رمي الملابس يجلب الحظ في الزواج من فارس أحلامهن».
أما الحقوقي العداوي الحنفي، فقد شخص الموضوع من خلال منشور توضيحي حول الظاهرة، حيث كتب على صفحته على فيسبوك بعنوان «هلوسات وجودية»: «من وحي الأضرحة والأولياء. موسم البحيرات «ثلات بوكدرة» «رمي الملابس الداخلية على الاسفلت… (احتجاج حضاري مغلف ببركة الصالحين)!
ويتواصل تحليله للظاهرة «كثر القيل والقال عن «موسم البحيرات» بثلات بوكدرة. كثر القيل والقال بعدما نقل صحافيو الهواتف المحمولة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد ملابس داخلية لنساء بائسات مبعثرة على الإسفلت تطأها الاقدام وتدوسها عجلات المركبات والعربات المجرور. ليست أول مرة تركز فيها الكاميرات الهاوية عدساتها على مثل هذه المشاهد الموسمية، التي لا تخلو منها قبيلة أو مدشر أو جهة في كل بقاع الوطن. هي سلوكيات شاذة وطقوس مرتبطة بعادات متجذرة في المخيال الشعبي، لها علاقة بالمواسم والصلحاء والأضرحة والبركة والكرامات».
وبعيدا عما اعتبره العداوي «تنمرا وسطحية» من تناول منصات التواصل الاجتماعي للموضوع، فإنه يرى أن» رمي الملابس الداخلية على الإسفلت أو تعليقها على الأشجار في محيط الأضرحة أو رميها على صخور الشواطئ أو تمكين السحرة والدجالين والشوافات والرقاة منها بقصد فك السحر أو جلب الحبيب أو ترقيتها من المس الشيطاني. هي سلوكيات تؤكد أن فصيلا من المجتمع ينخره جهل ويعاني من أمراض وأزمات وعقد نفسية. العنوسة وشقاق الأسر والأمراض ونزاعات الإرث والفقر والأزمة الاقتصادية أهم مسببات اللجوء لهذه المعتقدات، والدافع للبحث عن الحلول السهلة الزهيدة في الغيبيات بعد أن عجزت المنظومة التربوية عن تطعيم العقول. وعجزت الترسانة القانونية عن فض النزاعات وتحقيق العدل والانصراف، وخلق التوازن بين الأطراف المتنافرة في المجتمع. وعجزت المنظومة الاقتصادية عن ضمان العيش الكريم لفصيل من أبناء هذا الوطن».
ثم يقول بمرارة «ليس من حقنا أن نستهزئ ونسخر ونلوم «مكسورات الجناح» ولدن فقيرات، وكتب لهن أن لا يلجن مدرسة. وأن يبقين عوانس عالات على أسرهن. وأن لا يجدن عملا يضمن كرامته. ليس من حقنا أن نتنمر ونسخر ونستهزئ بجحافل نسوة في البوادي والمداشر وجهات المغرب غير النافع حتى – ولو رفعن السقف ورمين ملابسهن الداخلية على وجوهنا».
ويختم العداوي الحنفي منشوره «علينا أن نخجل من أنفسنا وأن نفكر جميعا في مقترحات حلول لصون آدمية وكرامة بنات الوطن».
فيمكن التساؤل ما الفرق بين من تختار أرقى ماركات اللباس الداخلي لخلق عالم استثنائي في يوم «عمرها». ومن يرمين بلباسهن الداخلي من ماركات زهيدة مقلدة، وإن لم يكن ذلك بالأمر الهين عليهن، لكن لجلب «شريك العمر»؟!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد