إبداع النواب العراقيين في تدنيس معبد الديمقراطية

mainThumb

01-11-2022 10:24 PM

لكل مبنى حياته وقصته الخاصة، كما هو الإنسان وكما هي المدن. ولمباني بغداد، القديم منها والجديد، قصصها، كما ترويها الأحداث المرتبطة بها. وبما إن أهم الاحداث الطاغية، حاليا، في العراق ترتبط بشكل أو آخر بما يفعله أو لايفعله ساسة يجلسون في مبنى البرلمان بين الحين والآخر، لابد وأن تكتسب قصة مبنى البرلمان أهمية خاصة. فهو بالإضافة إلى كونه مكان اجتماع ممثلي الشعب المنتخبين الذين يتمتعون بسلطة سن القوانين ويعكس كرامة الحكومة، جزءا لا يتجزأ من حاضر ومستقبل الأمة. فما الذي سيخبرنا إياه مبنى البرلمان العراقي الحالي لو أتيحت له كتابة قصته؟ وكيف سيتم تقديم هذه القصة لتوعية الأطفال واليانعين بأهمية دور البرلمان في بناء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وهي التوليفة ألتي يكررها أعضاء البرلمان ومن المفترض أن يتم عبرها تشكيل ذاكرة الأجيال المقبلة؟
يصف رام ناث كوفند، الرئيس الهندي السابق، البرلمان بأنه «معبد للديمقراطية»، لذلك، تقع على عاتق كل برلماني مسؤولية التصرف في «معبد الديمقراطية» بنفس روح التبجيل التي يتصرفون بها في أماكن عبادتهم. وفي تشخيصه مهمة أعضاء البرلمان يقول إن «جميع أعضاء البرلمان مدافعون عن كرامة البرلمان سواء كانوا يمثلون الحزب الحاكم أو المعارضة» مضيفا أنه من خلال النقاش الدائر في البرلمان، عند نقل الجلسات تلفزيونيا، يمكن الاطلاع على لمحات من عظمة الفكر الإنساني والوعي الموجه لبناء الأمة. وإنه من الطبيعي أن يتنافس أعضاء الحزب الحاكم والمعارضة، لكن هذه المنافسة يجب أن تدور حول كونهم ممثلين أفضل والقيام بأشياء أفضل من أجل الصالح العام، عندها فقط سيتم اعتبارها منافسة صحية، مؤكدا على ضرورة عدم الخلط بين المنافسة في البرلمان والتنافس على السلطة. وقال إنه مع إتاحة النسخة الرقمية من المناقشات، سيتعرف الناس في البلاد وكذلك في العالم بأسره، وخاصة جيل الشباب، على عظمة وإمكانات الهند كما سيحصلون أيضا على ما يرشدهم مستقبلا.
ما مدى تشابه هذه الصورة التي يرسمها كوفند عن مبنى البرلمان وواجبات النواب وشروط عملهم لتقديم أفضل الخدمات للشعب مع آلية عمل النواب العراقيين في «معبد الديمقراطية»؟
لعل أهم ما يميز مبنى البرلمان العراقي، أولا، وقوعه في المنطقة الخضراء المُحصّنة كقلعة، وفي ظل أكبر سفارة أمريكية في العالم، بجوار عدد من المباني الحكومية ودور مسؤولين حكوميين يتنعمون بالحماية من المساءلة القضائية ويتقاسمون السلطة في بؤرة مغلقة من الفساد والإرهاب المنهجي. ينعكس وجود المبنى في بؤرة كهذه على سردية تاريخه، على مدى العشر سنوات الأخيرة، الزاخرة بالمشادات الكلامية، والضرب، ورمي قناني الماء على بعضهم البعض، والتهديدات، والرشاوي والتخريب المتعمد، سواء من قبل النواب أنفسهم، رجالا كانوا أم نساء، أو فرق الحراسة الشخصية أو القوات الأمنية أو شرائح معينة من الشعب. حيث يساهم الكل في تدنيس «معبد الديمقراطية» بشتى الأساليب. آخر الفيض، حدث يوم 27 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم. حيث نشر النائب علاء الركابي، رئيس كتلة «امتداد» النيابية، مقطعا من فيديو، تحدث فيه، وهو موجود داخل غرفة مظلمة في البرلمان تحت حماية الأمن، عن تعرضه وزميله النائب فلاح الهلالي للضرب والتهديد بالقتل على أيدي نواب في تحالف القوى الشيعية المعروف بـالإطار التنسيقي أثناء الجلسة ألتي صوت خلالها البرلمان العراقي، على منح الثقة لحكومة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني. سبب الضرب والتهديد هو إبداء رأيهما بالتشكيلة الحكومية واصفين إياها بأنها حكومة محاصصة، وهي مسألة لم تعد بحاجة إلى نقاش لفرط وضوحها.
في المقابل، تكاد لا تخلو جلسة من جلسات البرلمان من دخول نواب وهم يرتدون الكفن وكأنهم في حرب ضروس، أو يقفون وهم يرددون شعارات الأحزاب أو يتبادلون الشتائم ورمي قناني الماء الفارغة والتي لحسن الحظ أو سوء الحظ مصنوعة من البلاستيك. وإذا كان المفترض أن يقوم رئيس البرلمان بتهدئة الأمور فإن ما قام به محمود المشهداني في 11 حزيران/ يونيو 2007 دحض هذا الافتراض. فحين اندلعت مشاجرة بين النائب عن الائتلاف الشيعي فرياد عمر والحراس الشخصيين للمشهداني بسبب عملية تفتيش تدخل المشهداني، وبدلا من تهدئة الوضع، أوعز لحراسه بضرب النائب بشدة. وفي 26 مايو/ايار قام حوالي 10 من نواب التيار الصدري بضرب النائب كاظم الصيادي من أئتلاف دولة القانون بسبب اعتراضه على آلية التصويت لمنح الثقة لوزيرين جديدين. وفي 14 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، كان سبب المشادة الكلامية العنيفة، مطالبة نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي، الذي ينتمي لتحالف «الفتح»، هوشيار زيباري من الحزب الديمقراطي الكردستاني بتقديم اعتذار لميليشيا «الحشد الشعبي» باعتبارها «مؤسسة رسمية في الدولة العراقية». وشهدت جلسة 31‏ تشرين الأول/ أكتوبر‏ 2019 معركة حاول خلالها نواب «سائرون» وهم أتباع مقتدى الصدر، الاعتداء على منتقديهم ومن بينهم النائبة سناء الموسوي، محاولين ضربها، لولا تدخل نواب حالوا دون وصولهم إليها. أما جلسة 9 كانون الثاني/ يناير2022، فقد بلغت بُعدا إبداعيا جديدا، حين ضرب أحد النواب محمود المشهداني الذي يتولى رئاسة البرلمان مؤقتا باعتباره أكبر النواب سنا (73 عاما)، بحيث تم نقله بشكل عاجل إلى المستشفى.
إزاء هذا الابتذال البرلماني اليومي في «معبد الديمقراطية» لم تجد الحشود حرجا في احتلال المبنى، وطرد النواب، ومع الأسف الشديد تكرار ما كان النواب يقومون به بمهارة تليق بفسادهم ومستواهم التعليمي والأخلاقي، فكان حدث اقتحام البرلمان الذي استمر عدة أيام، وتحول بدوره في شهر تموز / يوليو 2022 إلى فصل آخر من فصول تداعي هيكل «معبد الديمقراطية» المؤسس على المحاصصة الطائفية والعرقية والقدرة على سرقة أكبر حصة ممكنة من ثروة واحدة من دول المنطقة الغنية، بينما يعيش ربع السكان تحت خط الفقر.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد