مواقف إسرائيلية ناقدة للموقف العنصري

mainThumb

09-11-2022 01:23 PM

اقترب منا بثوبه الأسود وقلنسوته الصغيرة فوق رأسه ولحيته البيضاء الكثيفة وألقى التحية ثم عرّف بنفسه، إنه ابن حاخام يهودي مشهور اعتاد الحضور سنويا لهذا المؤتمر الدولي في روما قبل أن يغيّبه الموت. كنا أربعتنا نجلس لتناول الإفطار فبادر بالسؤال واقفا من أين نحن، ودون مقدّمات قال إنه مسرور بالانتخابات الإسرائيلية التي كانت يومها على الأبواب لأن «نتنياهو سيعود فهو رجل قوي وقادر على صنع السلام مع العرب وهو ما بدأ فيه أصلا».
لم أستطع تجاهل الرد:
بدأ فيه مع الدول الخطأ لأن مشكلتكم مع الفلسطينيين والسلام لا يصنع إلا معهم.
لكنهم يرفضون ذلك..
هم من يرفض؟! لقد أضعتم على أنفسكم فرصة عرفات وها أنتم تضيّعون الآن فرصة عبّاس..
عرفات كان…
عرفات الذي قتلتموه..
قتلناه؟!!
طبعا ولا حل أمامكم إذا رغبتم حقا في السلام، كما تقول، سوى الانسحاب من الأراضي المحتلة والقبول بحل الدولتين كما يطالب بذلك كل العالم.
ولكن الأرض صغيرة جدا ولا تحتمل مثل هذا التقسيم..
بإمكان الفلسطينيين أن يقولوا نفس الشيء.
أنت شخص متطرف..
لو كنت فعلا كذلك لقلت مثلك أن هذه الأرض صغيرة جدا فعلا لذا لا بد من طردكم منها.
انسحب بهدوء.. لكني تذكّرته بمجرد صدور نتائج الانتخابات فعدت إلى الصحافة الإسرائيلية في تلك النشرة اليومية لمؤسسة الدراسات الفلسطينية لعلّي أعثر لدى قطاع من الرأي العام الإسرائيلي، على الأقل، على مزاج مختلف عن هذا الرجل فوجدت الكثير ولكن ما الفائدة بعد الذي حصل.
«من حق المعسكر الليبرالي ـ العلماني أن يـيأس. فأغلبية الجمهور اختارت نتنياهو لرئاسة الحكومة المقبلة، على الرغم من كونه متهماً بجرائم فساد ورشى وخيانة للأمانة».. هكذا كتب في «هآرتس»المحلل السياسي يهوشواع براينر قبل أن يضيف «يجب أن نعترف بصدق: لقد خسرنا. ومن المحتمل أن يائير لبيد هو آخر رئيس حكومة في المستقبل المنظور يأتي من معسكر الوسط ـ اليسار.
«لا أعذار بعد الآن، إسرائيل دولة عنصرية» هكذا وبكل صراحة كتب في «يديعوت احرونوت» نير أفيشاي كوهين الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان والسلام والعضو السابق في حركة «ميرتس» اليسارية قبل أن يشرح بالقول إن «نتائج الانتخابات لا لبس فيها وهي تقدم صورة واضحة عن المجتمع الإسرائيلي»، مشيرا إلى أن «الجرح المتقيّح للاحتلال والسيطرة على الفلسطينيين سوف ينفجر في وجوهنا (…) واعتبارا من اليوم، لم يعد من الممكن إخفاء حقيقة أن إسرائيل هي دولة عنصرية، وأن أغلبية مواطنيها تؤيد نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة».
وقد بدا إلداد شافيط وروتيم أروغ الباحثان في «معهد دراسات الأمن القومي» منشغلين في مقال مشترك نشر في «مباط ـ عال» بالتحديات التي تفرضها نتائج الانتخابات على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ليخلصا في النهاية إلى «أن الدعم الأمريكي لإسرائيل ليس بديهياً. فحتّى لو لم يكن للتغييرات الداخلية في الولايات المتحدة دائما تأثير مباشر في إسرائيل، فإنه وعلى المدى البعيد وبشكل غير مباشر يجب الأخذ في الاعتبار أن الواقع الاجتماعي-السياسي الذي يتطوّر في الولايات المتحدة ستكون له تداعيات مباشرة على المصالح الإسرائيلية وفي مجالات عدة» وركّزا بالخصوص على الحرب في أوكرانيا وتراجع المكانة الأمريكية ومتغيرات دولية كثيرة عيدة أهمها صعود الصين المتواصل.
ولأن الوضع فعلا يدعو إلى الرثاء فقد رثى المحلل السياسي أوري مسغاف في «هآرتس» غياب «ميرتس» بعد أن «شُطب من الخريطة السياسية ومعه كل اليسار» الذي مر من 56 مقعدا قبل ثلاثين عاما إلى أربعة فقط في الكنيست الحالي، ليختتم مقاله بالقول إن «إسرائيل من دون ميرتس، ستصبح مكاناً أكثر ظلاماً». أما رئيس تحرير نفس الصحيفة ألوف بن فكتب في افتتاحية أن»هزيمة «اليسار الصهيوني» أعمق (..) إنها اعتراف مؤلم بالواقع: لا يوجد ما يكفي من الناخبين الذين يريدون معارضة الاحتلال ويرفضون فرضَ التديُّن».
ويمضي المحلل السياسي يوسي ميلمان إلى أبعد من نتائج الانتخابات الأخيرة حين يرى أن «اليسار والوسط هما فئة تحتضر في المجتمع الإسرائيلي. وهذا ليس فقط مسألة أرقام ومقاعد في نتائج الانتخابات، بل المقصود شيء أعمق بكثير (..) وهو تغيير مستمر منذ أعوام ومن أوجهه: القومية المتطرفة، والعنصرية، وكراهية الآخر، والمسيانية، والحنين إلى زعيم متسلط ديني، استقوائي عسكري، مؤيد للاحتلال، يستخف بالقانون ويكره القيم الليبرالية الغربية».
ويرى الكاتب أن لا مجال لصحوة من هذا الواقع إلا بـ«كارثة كبرى خارجية» مثل حرب أكتوبر 1973، وهو ما لا يتمناه، معتبرا أن إيران وحزب الله وحماس، بل وحتى الثورة في الضفة الغربية، لا يعدوا أن يكونوا مجرد «مصدر إزعاج لإسرائيل لكنهم ليسوا تهديدا لوجودها» مختتما بالقول، وهذا هو بيت القصيد، بأن «الاعتقاد أو الأمل بأن رئيس الولايات المتحدة، أو دول الاتحاد الأوروبي، سيضغطون على الحكومة الإسرائيلية لتغيير عاداتها، هو مجرد وهم».
هل آن الأوان لنا أن نفهم هذا أخيرا؟!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد