أيام قرطاج السينمائية وأزمة الحليب في الجزائر

mainThumb

09-11-2022 01:26 PM

ما زال الحليب يتصدر منشورات الفيسبوك وتحقيقات مختلف القنوات الرسمية وغير الرسمية في الجزائر، بعد المضاربة وترك الحبل على الغارب للتجار، ومن يحوم في فلكهم. قرر الرئيس الضرب بيد من حديد. كل الشهر الماضي إلى غاية كتابة هذه السطور والمناشير ليست لها «سيرة» سوى محاكمة المضاربين والحكم عليهم بالسجن، الذي قد يصل إلى 12 سنة. والغرامة المالية التي قد تصل إلى أكثر من مليار سنتيم. نقرأ على صفحة «المنظمة الجزائرية للدفاع عن المستهلك: «حكم ب 12 سنة حبسا نافذا لشخصين في ولاية تيارت، وغرامة بمليار سنتيم بجنحة المضاربة غير المشروعة في مادة الحليب. الحكم سيخيف الكثير بالتأكيد، ولكن في الوقت نفسه، البعض سيبتعد عن التجارة في بعض المواد كلية. فحسب مناقشة مع تجار التجزئة، يتم البيع المشروط في بعض المواد وحتى بيع مواد بسعر أعلى من السعر المقنن من تجار الجملة. تاجر الجملة بدوره يتهم المصنع والمصنع يشتكي من ارتفاع أسعار المواد الأولية وندرتها؟!
يتساءل التجار. ماذا لو دخل أعوان التجارة ووجدوا السعر أعلى؟ قد أتعرض للمتابعة القضائية، وربما تشميع المحل. إذا الحل الأسهل ربما هو الابتعاد كلية عن التجارة في المواد المقنن، تفاديا للمشاكل. هذه المشاكل قد نجدها أكثر في المناطق الريفية البعيدة عن أعيون التجارة. أما في المدن، فرفع السعر صعب (منقول من صفحة زراعة وتقنيات). أما أحمد الجزائري بلقاسم فقال يجب جمع المضاربين في كل مكان من الجزائر وإدانتهم من طرف المحاكم. من محكمة نقاوس في باتنة إدانة موزع حليب ب 7 سنوات حبسا نافذا، مرورا بمحكمة باتنة (إدانة 22 متهما بالمضاربة ب 20 سنة سجنا نافذا و500 مليون غرامة). بوسعادة بوابة الصحراء (ايداع 4 تجار الحبس 10 سنوات بسبب المضاربة والاحتكار في مادتي الزيت والسكر). تسمسيلت. بوقادير. الشراقة في العاصمة. المدية. تيزي وزو. سيدي محمد. كل محاكم هذه المدن والمناطق انبرت لمحاربة «فساد» المضاربين. يا لها من قسوة. بينما هناك من يعبث بمصير أجيال بأكملها. وتزين لهم شياطين الأنس أعمالهم. نتمنى أن ينالوا نصيبهم من الردع. كما بدأ أحمد الجزائري منشوره بالقول «عمي تبون عاودلهم التربية. زيت عاد يخرج وحده يتشمس هو والسيد. عاد الحليب يطايش. يحوس عاللي يشريه. الله يدومها نعمة. يااااخويا الخلعة واش تدير».

أيام قرطاج السينمائية

كان زمان لمن لا يعرف تاريخ «أيام قرطاج السينمائية» وكيف سعى مؤسسها «الطاهر شريعة» لجعلها قبلة للفن الافريقي السينمائي وللدفاع عن قضايا القارة الأفريقية. كانت مشروعا ثقافيا ملتزما بقضايا الشعوب. كيف تحولت لعرض «بضائع» كاسدة والتركيز على «العري» على السجادة الحمراء. لكل هؤلاء يمكنهم تتبع منشور الكاتب والباحث محمود زوينخ على صفحته الرسمية على فيسبوك «في رؤية نقدية للسينما التونسية»، حيث كتب مايلي: «أسدل الستار على الدورة 33 لأيام قرطاج السينمائية، ثم ماذا بعد؟ في البداية أسس «الطاهر شريعة» JCC حتى تكون أداة للنضال والتعريف بإفريقيا وآسيا وأرادها أن تكون متميزة عن غيرها من التظاهرات السينمائية، التي تعتمد الكرنفالات والطقوس الاحتفالية الهوليودية، فقد كان الرجل مثقفا عضويا منخرطا في الحراك التنموي العام. أراد خلق حركية سينمائية تكون قاطرة للقوة الناعمة، التي تمكن تونس من البروز دوليا بصناعة ثقافية تصل إلى كل دول العالم، ومن ثم تفيد البلاد بجلب السياح وبنشر صورة جيدة عن تونس في المحافل الدولية، وعند كل مثقفي العالم الحر. وفي هذا الإطار كانت سببا في بعث مهرجان «أوغادوغو» في دولة بوركينافاسو، الذي أسند السينما التونسية، وعرف بها في أعماق دول افريقيا جنوب الصحراء.
لكن ماذا تغير في JCC؟ لقد انحرفت عن ما كان يرنو له المؤسس الطاهر شريعة. إذ انجذبت إلى مسايرة الموضة من سجاد أحمر وأصبحت تعطي حيزا كبيرا للفنتازيا. فمن هي الممثلة التي سوف يكون فستانها الأجمل وغرقت في النجومية، فلكي تنجح JCC وكأنها يجب أن تستدعي ممثلين ومخرجين أجانب، وأصبحنا نشاهد من يتفنن في لفت الانتباه بأي طريقة كانت. حتى ولو تطلب الأمر عراء حيوانا! كل ذلك على حساب الرسالة والأهداف النبيلة. فمثلا كان الطاهر شريعة في كل مراحل حياته أثناء الدورات محافظا على مظهره التونسي الأصيل. فقد كان حريصا على الوفاء لزيه التقليدي، من برنس وجبة تونسية. ولأول مرة في هذه الدورة تتم الإشارة للزي التونسي. لكن في شكل عرض فلكلوري رخيص. «أيام قرطاج السينمائية» هي مشروع ثقافي متكامل للسينما الافريقية تعكس هوية قارة كاملة تتكلم لغة شعوبها وتدافع عن قضاياهم. هذه التظاهرة ليست للفرجة فقط، بل لنحت عقلية جديدة تتصدى لكل ظالم غشوم. لذلك من المفارقات أن لجأ رضا الباهي ذات يوم إلى المغرب، بعد أن تم منعه من تصوير فيلمه في تونس «شمس الضباع»، لأن فيه إدانة للرأس مال الأجنبي المتنعم من خيرات هذه البلاد».
المنشور يفرد سردا عميقا وشيقا ومؤسفا في الوقت ذاته لما آلت إليه أيام قرطاج السينمائية وتقوقع المخرجين في سجن الايديولوجيات، بعيدين عن قضايا الشباب الراهنة، مثل البطالة والفقر والمخدرات والرقة. الشباب اليوم يذهب مباشرة إلى صفحات السينما العالمية، دون الاكتراث بترهات السينما التونسية، التي بقيت حبيسة مواضيع لا تخرج عن حمام النساء وغرف النوم والمرحاض والعلب الليلية وتفاصيل جسد امرأة عارية وهوس رجل شاذ وترنحات شاب مدمن»!
كعادة مهرجانات السينما العربية، ينسى المتابع الأفلام والمنافسة، أو يؤجلها بعد أن تأخذ «السجادة الحمراء»، ومن عليها حصة الأسد من الانتقادات، بعد عروض الأزياء التي تتابع وتتسابق في «الكشف» ليس عن مكامن الإبداع، لكن عن الأجساد.
والسباق لم يقتصر على النساء فقط هذه المرة وككل مرة. استياء عام لدى شرائح كبيرة من المجتمع التونسي عن «الجي سي سي»، متهمين ما عرض على السجادة الحمراء بكل النعوت غير الأخلاقيّة وسوء التنظيم وغياب اللياقة الاجتماعية.
وها هو المخرج خالد ساسي يكتب على صفحته الرسمية على فيسبوك منشورا موجها لوزيرة الثقافة السيدة حياة قطاط القرمازي «لا أستطيع الحديث عن هذه الصور أو نقد أي صورة، ولكن أريد انتقاد المشرفين على القطاع الثقافي، وعلى رأسها السيدة وزيرة الشؤون الثقافية. المسؤول الأول على أيام قرطاج السينمائية. ولا أريد الحديث عن إدارة أيام قرطاج السينمائية لأنها لا تعني شيئا».
ويواصل ساسي منشوره عن كيف كان المهرجان في السابق «محترما ويقدم أشياء جميلة افتقدناها، وأصبح يقدم أشكالا أخرى من الإغراء، وخصوصا أن الادارة تعتمد على دعوات خاصة تقدمها للفتيات الجميلات. ويوجد الكثير من الدعوات موجهة لوجوه غير معروفة وليست لها صلة بالقطاع السينمائي. ومن هذا المنطلق أردت كتابة هذه الأسطر واعلم جيدا أن الرسالة ستصل إلى السيدة الوزيرة ومقتنع بأن صوتي مسموع ومتابع من عدة جهات.
لماذا لا يقدم الوجه الحقيقي لتونس وشعبها، لماذا لا يقدم المخزون التراثي واللباس التقليدي، ويكون لدينا مهرجان خاص بتونس؟ لماذا نريد تقليد الغرب في أشياء ليست ملكنا. اللباس غير المحترم، هل هو تونسي أم غربي، هل يمكن اعتماد دعوات خاصة لبنات الليل لإثراء المشهد؟!
يجب فتح تحقيق في هذه الأشياء وأخطر شيء في هذا المشروع الدعوات، التي توجه إلى مستثمرين أجانب في القطاع السينمائي. توجد أشياء ستكتشفونها. بيع وشراء وسمسرة»! المستشار خالد ساسي.
وعن فوضى التنظيم كتبت أميمة العياري، الإعلامية في إذاعة «الديوان أف أم» على صفحتها، على فيسبوك (الشيء الذي صرحت به على الإذاعة ذاتها): «لأول مرة بش نعطي رأيي في أيام قرطاج السينمائية. اللي شفتو يحشم برشا، سوء تنظيم واضح الدنيا خايضة تقول دار عرس. لا تفهم وين يتعملوا الحوارات ولا وين المصورين. لا فما زربية عليها القيمة، ولا الفنانين التوانسة ولا العرب عطوهم قيمتهم. ظروف ما تشجعش على الخدمة. تشوف كان، مع احترامي للي مايستاهلش النكرة وأخذتها. شي يأسف مهرجان عريق كيف أيام قرطاج السينمائية يكون في المستوى هذا، كي تقارنو بمهرجانات أخرى عربية.
مع الأسف مهرجان من غير روح خوضة خوضة. الله غالب اغنا في العادة أشجع لأني اعرف امكانياتنا وجاد الفقير بما عنده، ولكن ما هو الحد الأدنى؟ نتمنى تكون دورة ناجحة بالأفلام اللي يتم عرضها ونتمنى ان المنظمين يتداركوا في الاختتام. (ما تغركمش التصاور والبهرج)»!
ونقرأ على صفحة عادل شاوش» أيام قرطاج السينمائية مهرجان ينطبق عليه المثل الشعبي «المبدل مشيتو يشتاقهم الاثنين». فلا هو حافظ على رسالته الأولى، التي بعث من أجلها كمهرجان لسينما الجنوب الهادفة والملتزمة. ولا هو تحول إلى مهرجان استعراضي تجاري على شاكلة مهرجان مراكش المغربي أو مهرجان الجونة المصري أو دبي الإماراتي. لا ذات ولا صفات». حسب بعض الأقنعة على الوجوه والتنكر. قد يصبح احتفال «هالوين» في بلاد المغرب. بالفعل وبعد كل العروض، التي لا تمثل فكرة التأسيس الأولى لتظاهرة بحجم «أيام قرطاج السينمائية»، كما أراد لها مؤسسها أن تكون. لا بد أن تعيد وزارة الشؤون الثقافية ومسيري التظاهرة النظر في رسالة ومضامين هذ الحدث السينمائي العالمي، بعد كم الاساءة لتونس وكم النقد لمن أساءوا لها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد