الهوية وسؤال الاقتصاد: قراءة في الانتخابات التركية
ولا يمكن الحديث اليوم عن الانتخابات كحدثٍ بقدر المفارقات المتصلة بالنتيجة التي لا تعكس حالة التذمر السابقة من الاقتصاد التركي، وانخفاض قيمة الليرة إلى درجة توقع إقالة الرئيس إردوغان بعد الأزمات المتتالية، لكن ما حدث أظهر بجلاء مرونة الأحزاب القائمة على آيديولوجية وشعارات طوباوية على تنحية الاقتصاد والتنمية بعيداً عن التأثير على صناديق الاقتراع، رغم أنها قد تؤثر عليه وبشكل سلبي كما حدث مع تراجع الليرة التركية إلى 20.05 مقابل الدولار مع إعلان الفوز.
معظم المعارك الانتخابية اليوم لا تدار على الأرض، فحضور الدعاية الانتخابية الرقمية أصبح كبيراً ولا يمكن التشكي من السيطرة الإعلامية غير الرسمية، فضلاً عن الاستعانة بأصدقاء الخارج المؤثرين خصوصاً في التسويق للمنافسة الديمقراطية على أنها مسألة حق وباطل وليست خيارات انتخابية، وهو ما يعيدنا مجدداً إلى أزمة حقيقية في الشكلانية الديمقراطية «الصندوقراطية» والتي من المفترض أن ينحاز الجمهور فيها إلى الاختيار بين البرامج الانتخابية، ومنها ملف الاقتصاد وتحسين المؤسسات ولو على شكل وعود وليست معارك الهوية والمهاجرين، وهو ما يعني قراءة كل تجربة سياسية في سياقها الخاص أو ما تُعرف في الأدبيات السياسية بمعضلة السلوك الانتخابي وتأرجحه بين الهوية والانتماءات المناطقية والدينية والآيديولوجية وتأثيرها على الولاء السياسي، حيث الحفاظ على القاعدة الانتخابية لا يحتاج إلى أبعد من الشعور بالخوف على الذات لا المستقبل، وهنا مفارقة ثانية فحزب «العدالة والتنمية» ظهر كمنقذ من سؤال الاقتصاد والمستقبل، بعد تعثر الاقتصاد وآثار الزلزال المدمر، وفشلت الحكومة الائتلافية لأجاويد في إنقاذ الوضع، وبعدها في 2002 برزت نجومية «العدالة والتنمية»، ليس بسبب سؤال الهوية أو الشعارات، وإنما من خلال الإجابة عن سؤال الاقتصاد والبحث عن الاستقرار عبر هدنة مع الفرقاء وحتى الخصوم، ومنهم حزب العمال، وهو ما بلغ أوجه في 2010 مع معدلات نمو كانت مثيرة للإعجاب حتى في الأطروحات الغربية.
لم يستمر الحال منذ ذلك الصعود، لأن الحزب ذاته تخلَّى عن سؤال الاقتصاد، وحاول القيام بإجراءات اقتصادية تعزز سؤال الهوية وتلبّي طموحات الشعارات وفلاشات الشعبوية، فكانت النتيجة ارتفاعاً كبيراً في معدلات الفائدة، وجاء الزلزال ليعمّق الفجوة الاقتصادية بشكل كبير مع تذمر من التعامل مع الأزمات بدا واضحاً في جغرافية الناخبين.
اليوم يتساءل الغربيون وبالأخص مراكز الأبحاث وخزانات التفكير ووكالات التحليل، لتقدير الموقف، عن الفوز ولو بفارق ليس كبيراً مع تحديات هائلة على مستوى الملف الاقتصادي وإدارة الأزمات، وجاء عنوان «فورن بوليسي» مشككاً في مقولة جيمس كارفيل، المستشار الاستراتيجي لحملة كلينتون ذائعة الصيت: «إنه الاقتصاد يا غبي»، وتحولت لاحقاً إلى عناوين مقالات وكتب ودراسات تؤكد تأثير الاقتصاد على ما عداه من النظريات إلى الشعارات وما بينهما، وهو تفسير -حسب التحقيق- تبسيطي مبنيٌّ على اختزال كبير للتحليل الماركسي للبنية التحتية التي تقوم بتشكيل كل البنى الفوقية ومنها السياسية.
اليوم هناك اتجاهات كبيرة في محاولة قراءة سلوك الناخبين على ضوء الشعارات وملف الهوية، خصوصاً في أحلك الأوقات الاقتصادية قتامة، ويمكن هنا مراجعة الأطروحة المهمة جداً التي طرحها المؤرخ الفرنسي والفيلسوف السياسي البارز مارسيل غوشيه في كتابه المهم «الدين في الديمقراطية» حيث ناقش إشكالية مسألة الهوية والشعارات الدينية وعلاقتها بالسياق السياسي كإشكالية بدأت منذ البدايات مع اليونان، ولم تختفِ حتى في عصور التنوير الأوروبية، بل تم استبدال المرجعية الدينية والهوياتية بالآيديولوجيا، ولم تنجح عمليات تمدين الحالة السياسية ومأسستها بعيداً عن الشعارات وانطلاقاً من مبدأ المصلحة العامة، والتي بالمناسبة لها تأصيل في غاية الأهمية لدى فقهائنا الأوائل لا سيما المقاصديون منهم، وهو ما بات مفقوداً اليوم في الشكلانيات الديمقراطية بحكم أن الفصل بين الحقل المدني والسياسي والديني والثقافي يكاد يكون مستحيلاً في سياقات خارج التجربة الفرنسية، أو ما وصفه روسو بـ«السيادة المطلقة» ووصفه غوشيه بـ«الحياد الديمقراطي».
نعيش اليوم عصر الهويات كما تؤكده هذه الأطروحة وغيرها كثير، فهناك روابط بين الأفراد والفضاءات الاجتماعية لا يجمع بينها سوى تحالف الهويات الصغيرة، وليست بالضرورة تعبيراً عن التعددية السياسية والانتخابية أو ديمقراطية الهويات، حسب غوشيه.
النتائج التركية اليوم كانت متوقعة في سياق مسألة انفجار الهويّات الصغيرة والفرعية، متى ما عجزت أي دولة مهما كان نظامها السياسي عن الاستثمار في أمرين: المواطن والبنية التحتية والمؤسسات، وليست الكوتة المبنية على محسوبية الناخب في النظام الهجين المتأرجح بين الرأسمالية والاتكاء على الهوية التاريخية.
النموذج الذي تحتاج إليه المنطقة اليوم منشود في التجربة السعودية الصاعدة بدمج الرؤية في بنية التشريعات والمؤسسات في الدولة والاستثمار في المواطن، وتحويل الهوية والثقافة إلى رساميل ثقافية مرتبطة ببنيتها الاقتصادية وأدائها، مع تعظيم مسألة المحاسبة والشفافية والهدر للمال العام، ومكافحة الفساد، كما هي الحال في تحويل الهويات الصغيرة إلى عوامل جذب تنافسية تصب في الهوية الأم «المواطنة».
مستوطنون يحرقون منزلًا فلسطينيًا جنوب الخليل .. صور
"البوتاس العربية" تستعرض تحولها النوعي بالأرقام وتطرح رؤيتها لعقد صناعي جديد
الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم
فلس الريف يزوّد 238 موقعاً ومنزلا بالكهرباء في حزيران
فرنسا تعزّز تعاونها الأمني مع المغرب
جاهزون لاستقبالكم في مجالس الفقراء
استمرار دوام أسواق المؤسسة المدنية غداً
أبو علي ينعى وفاة اثنين من موظفي الضريبة
غارتنر: إلغاء 40% من مشاريع الذكاء الاصطناعي الوكيل مع نهاية 2027
ترامب: سيكون هناك أخبار جيدة بشأن غزة
بحث آفاق التعاون بين المكتبة الوطنية واتحاد الناشرين الأردنيين
نظام جديد يمنع إغلاق الأجواء الأردنية .. تعّرف
أردنيون يتلقون رسائل تحذيرية على هواتفهم من الجبهة الإسرائيلية
إذا ضُرب ديمونا .. كيف سيتأثر الأردن
الأمن يكشف تفاصيل جديدة حول حادثة الشاب الطعمات
إحالات للتقاعد وإنهاء خدمات 240 موظفاً في التربية .. أسماء
ساكب تُفجَع بوفاة الشاب محمد أبو ستة في أميركا .. تفاصيل
تفاوتت آراء طلبة التوجيهي حول امتحان اللغة العربية
مطلوبون لتسليم أنفسهم أو وضع أموالهم تحت إدارة الحكومة .. أسماء
انخفاض طفيف بأسعار الذهب في الأردن اليوم
النتائج في آب وتغليظ العقوبات: التربية تكشف تفاصيل التوجيهي 2025
كم بلغ سعر الذهب في السوق المحلي السبت
أسماء شركات الطيران التي علّقت رحلاتها إلى وجهات في الشرق الأوسط
أمين عام وزارة التربية يعلق على روقة إمتحان الإنجليزي المزيفة