قراءة في المادة 65 من قانون العقوبات الاردني : النتيجة غير المقصودة

mainThumb

03-07-2023 02:53 PM

طايل الضامن

أثارت المادة 65 من قانون العقوبات الأردني، جدلاً بين شراح القانون الجنائي، ارتكز على المقاصد التي ارادها المشرع، وصولا الى اتفاق أن هناك خطأ في الصياغة استوجب استدراكه .
وتنص المادة (65) : لا عبرة للنتيجة اذا كان القصد ان يؤدي اليها ارتكاب فعل ، الا اذا ورد نص صريح على ان نية الوصول الى تلك النتيجة تؤلف عنصرا من عناصر الجرم الذي يتكون كله او بعضه من ذلك الفعل .
بداية، كما هو واضح من هذا النص، فإن هناك خلل كبير وواضح في الصياغة، أضاع قصد المشرع الصريح، وفتح المجال لتفسيرات كثيرة، دون الوصول الى تفسير صحيح ومستقر لها، الأمر الذي يدعو الى ضرورة إجراء تعديل تشريعي لها يضعها بمقاصد المشرع الحقيقية .
إلا أننا نرى أن المشرع قد يكون أراد أن يقول الآتي : نية الوصول الى النتيجة هي عنصر من عناصر الجرم أحياناً، ويكون شرطاً لقيامها كما في السرقة والاحتيال الذي هو هنا القصد الخاص، لكن القصد الخاص ليس مجرد نية الوصول الى النتيجة، لكنه تفسير.
لكن التفسير الآخر أن المشرع يريد التحدث عن الجرائم الشكلية وجريمة الخطر . والان أي التفسيرين اخذ بهما المشرع ..؟، هنا نعود الى موقع نص المادة، وحيث ان المادة وردت تحت البند الخاص بالركن المعنوي، وليس الركن المادي، فيمكننا القول أن التفسير الثاني هو الاقرب فقط للصواب، خصوصاً ان المشرع في المادة ٦٤ تحدث عن القصد الاحتمالي وفي المادة ٦٦ عن الدافع، والقصد الخاص هو قصد يقع بينهما فهو دافع بإرادة وكلمة المشرع وبالتالي يعتبر معتبراً في نظره، وبدون ذلك لا عبرة له .
وكما هو معروف في بعض الجرائم فقد اعتبر المشرع، الغاية أو الباعث عنصرا في القصد الجنائي لما يراه من خطورة الفعل ، حيث تتجه ارادة الفاعل إلى هذه الغاية أو الباعث وليس في مجرد توجيه الارادة نحو النتيجة.
وفكرة القصد الجنائي الخاص يحيط بها الغموض الا ان اوضح تحديد لها هو (نية انصرفت إلى غاية معينة أو هو نية دفعها إلى الفعل باعث خاص) ، وعليه يكون القصد خاصا اذا كان الفاعل مدفوعاً إلى ارتكابها بباعث معين أو كانت له غاية محددة يقصد تحقيقها .
والقصد الخاص يقوم على العلم والارادة ، علم بعناصر الجريمة وارادة متجهة إلى تحقيق هذه العناصر شأنه في ذلك شأن القصد العام ، الا انه يمتاز عنه بامتداد العلم والارادة إلى وقائع لا تعد في ذاتها من عناصر الجريمة ، فالقصد الخاص يلتقي مع القصد العام في جميع عناصره ويزيد عليه رغبة تحديد الارادة الاجرامية لدى الجاني اما بغاية أو نتيجة محددة يريدها واما بباعث معين يدفعه إلى ارتكابها ، فلا يتحقق القصد الخاص الا بتوافر هذا العنصر اضافة إلى عناصر القصد العام ، وهذا يقتضي ان توافر القصد الخاص في جريمة معينة يفترض توافر القصد العام الا ان توافر القصد العام لا يفترض توافر القصد الخاص .
واهمية القصد الخاص من الناحية القانونية تبدو في امرين اولهما : قد يكون لازما لقيام الجريمة ووجودها بحيث تنتفي بانتفائه ، فالجريمة تدور معه وجودا وعدما ، ومثال ذلك انه لا قيام لجريمة التزوير أو السرقة بدون توافر القصد الخاص ، وكذلك على سبيل المثال جريمة الاخبار الكاذب وخيانة الامانة والاحتيال ، ففي جريمة التزوير عبر المشرع عن نية استعمال المحرر المزور فيما زوّر من اجله بعبارة (تغييرا من شأنه احداث الضرر بالمصلحة العامة أو بشخص من الاشخاص) . وفي جريمة السرقة وخيانة الامانة والاحتيال، يجب ان تتوافر نية تملك المال المملوك المنقول للغير، وفي جريمة الاخبار الكاذب يجب توافر القصد الخاص وهو نية الاضرار بالمبلَّغ ضده .
وثانيهما : قد يكون للقصد الخاص اثر على وجود الجريمة بوصف معين ، أي انه لا يؤثر على وجود الجريمة أو انتفائها لكفاية القصد العام لذلك ، ولكن إن توافر القصد الخاص تغير وصف الجريمة إلى ما هو اشد أو إلى ما هو اخف ، أي ان القصد الخاص يقف دوره في هذه الحالة عند حد تعيين الوصف القانوني للفعل والعقاب المقرر له تشديدا أو تخفيفا ، مثال ذلك تشديد عقوبة القتل اذا ارتكب تمهيداً لارتكاب جناية أو جنحة .
ونستشهد في هذا الصدد بحكمين قضائيين على الرغم من الانتقاد العلمي الذي تعرضن له، إلا أنني أرى أن القاضي هنا أخذ بما أراده المشرع من روح النص، رغم خطأ الصياغة بدلالة مكان ورود النص كما أسلفنا.
فقد قالت محكمة بداية جزاء جنح جنوب عمان في الحكم رقم 1471 لسنة 2018 الصادر بتاريخ 2018-09-12 :"وإن جرم الإحتيال يقوم بالإستيلاء على مال مملوك للغير بخداعه وحمله على تسليم ذلك المال وإن هذه الجريمة من الجرائم القصدية التي تقوم على الركن العام للجريمة والذي يعني إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون (المادة 63 عقوبات) بالإضافة إلى القصد الخاص والمتمثل بينة التملك للمال محل الجريمة والظهور عليه بمظهر المالك (المادة 65 عقوبات) ثم تتكون الجريمة من الركن المادي والذي يقوم باستعمال الفاعل لوسائل الخداع والإحتيال الواردة في نص التجريم والذي يقوم على ما يلي :
فعل الخداع باستخدام الوسائل الإحتيالية .
فعل التسليم للمال مدفوعاً بعامل الغلط والوهم الناشيء في الإرادة .
الرابطة السببية بين فعل الخداع والتسليم (العلاقة السببية) .
كما جاء في الحكم رقم 75 لسنة 2019 - بداية جزاء - جنح جنوب عمان الصادر بتاريخ 2019-01-27 :" ... وفي القانون تجد المحكمة فان جرم الاحتيال المسند يقوم بالاستيلاء على مال مملوك للغير بخداعه وحمله على تسليم ذلك المال".وان هذه الجريمة من الجرائم القصدية التي تقوم على الركن العام للجريمة والذي يعني ارادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون(المادة 63 عقوبات) اضافة إلى القصد الخاص والمتمثل بنية التملك للمال محل الجريمة والظهور عليه بمظهر المالك (المادة 65 عقوبات) ثم تتكون الجريمة من الركن المادي والذي يقوم باستعمال الفاعل لوسائل الخداع والاحتيال الواردة في نص التجريم والذي يقوم على مايلي:
1- فعل الخداع باستخدام الوسائل الاحتيالية التي تؤدي إلى وقوع الضحية تحت تاثير الغلط
2- فعل التسليم للمال نتيجة افعال الخداع مدفوعا بتاثير الغلط
3- علاقة السببية بين فعل الخداع او الاحتيال وتسليم المال (الرابطة السببية)
أما فيما يتعلق بجرائم الخطر – وهو التفسير الأقل ترجيحاً كما أسلفنا – فقد تحدثت المادة عن جرائم الخطر ( الشكلية) التي لا يفترض فيها أن تتحق النتيجة، مثل حيازة سلاح بدون ترخيص، او ارتداء زي رجل أمن بغير حق ، فهذه تعتبر بذاتها جريمة مستقلة، دون أن تتحق نتيجة ، وهنا ما قصده المشرع في بداية المادة 65 بالقول :" لا عبرة للنتيجة اذا كان القصد ان يؤدي اليها ارتكاب فعل ..".
وهذه الجرائم التي ليس لنتيجتها وجود مادي ،تعبر عن حقيقة قانونية أي عن اتجاه المشرع إلى تجريم الاعتداء على مصلحة جديرة بحماية القانون الجزائي .
والجرائم الشكلية يعاقب عليها القانون وان لم ينجم عنها أية نتيجة ضارة ، وفيها لا يكون حصول النتيجة الجرمية عنصراً من عناصر الركن المادي .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد