استراتيجيات مواجهة التضخم: رفع الفائدة والرسوم الجمركية

mainThumb

08-04-2025 01:13 AM

يُعد التضخم اليوم من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه العالم بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، حيث شهدت معظم الدول ارتفاعًا غير مسبوق في الأسعار خلال السنوات الأخيرة، ومن بين الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، قيام الولايات المتحدة الأمريكية بطباعة تريليونات الدولارات وضخها في الأسواق كجزء من خطط التحفيز لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وقد أدى هذا التوسع النقدي الهائل، إلى جانب اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، إلى اختلال في التوازن بين العرض والطلب، ما ساهم في تسريع موجة التضخم العالمي، وفرض تحديات جديدة على صانعي السياسات الاقتصادية.

وفي محاولة للسيطرة على التضخم المرتفع، الذي بلغ ذروته عند 9.1% في يونيو 2022، قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بشكل تدريجي من مارس 2022 حتى يوليو 2023، حيث وصلت إلى نطاق 5.25%–5.50%، ورغم هذه الزيادة التي ساهمت في تراجع التضخم، إلا أن التضخم ظل أعلى من النسب المستهدفة 2%، وهذا يُظهر أن تأثير رفع الفائدة على التضخم غير فعال وقد يستغرق وقتًا أطول، في ظل وجود عوامل أخرى مثل اضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار السلع عالميا، التي ساهمت في استمرار الضغوط التضخمية.

والسؤال المطروح هو هل رفع الرسوم الجمركية يشير إلى قرار عشوائي غير مدروس أم أنه نقطة هامة تتعلق بالاستراتيجية الاقتصادية العالمية؟ رفع الرسوم الجمركية ليس خطوة عشوائية، بل مخطط استراتيجي يستهدف أكثر من هدف في آن واحد.

أولاً، يُعتبر هذا الإجراء وسيلة لتقييد صادرات الصين، والتي تعتبر من أكبر المصدرين في العالم، حيث تحقق الصين فائض تجاري شهري 170 مليار دولار، بينما تتكبد الولايات المتحدة الأمريكية عجز تجاري شهري 130 مليار دولار، وبالتالي رفع الرسوم الجمركية على الواردات الامريكية يعزز من قدرة الصناعات المحلية الامريكية على النمو والازدهار.

ثانيا، من خلال فرض رسوم جمركية، يمكن تقليص التضخم في الولايات المتحدة الامريكية والاقتصادات الكبرى، حيث الانخفاضات الحادة في الأسواق المالية العالمية تُخفّف من ضغوط التضخم لأنها تؤثر بشكل سلبي على الثروة والطلب، فعندما تنهار الأسواق المالية، يخسر المستثمرون جزءاً من ثرواتهم، مما يؤدي إلى تراجع الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، وبالتالي انخفاض الطلب الكلي، وهذا قد يخفف من الضغوط التضخمية.

كما أنه يؤدي الى انخفاض أسعار السلع والطاقة، فالذعر في الأسواق غالباً ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط والمعادن والسلع الأخرى، وهذا ما يحدث الآن بأسعار النفط القريبة من 60 دولار للبرميل، ويمكن أن ينخفض اكثر، مما يساهم في تخفيض تكاليف الإنتاج والنقل، وهو ما ينعكس على الأسعار النهائية للسلع والخدمات.

ولا بد ان ننوه بأن الانخفاضات الحادة في الأسواق المالية غالبا ما تكون مربحة بالنسبة لصناع السوق، هؤلاء اللاعبين الرئيسيين في الأسواق المالية لديهم القدرة على التنبؤ بالتقلبات السعرية واستغلال الفرص في الأوقات التي تتسم بتقلبات شديدة، عندما تحدث انخفاضات حادة، فإنهم يدركون متى يكون الوقت مناسبًا لبيع الأصول بأسعار مرتفعة، وعندما تأتي الفرصة، يشترون الأصول بأسعار منخفضة.

إضافة الى ذلك، تُعتبر هذه الإجراءات الحمائية ورفع الرسوم الجمركية جزءاً من تعزيز قوة الدولار كملاذ آمن، إذ يسعى الاحتياطي الفيدرالي إلى حماية الدولار الأمريكي ليبقى فوق 100 نقطة مقابل سلة من العملات، وليقوي موقفه في النظام المالي العالمي، وهذا ما كان يصرح به ترامب اثناء دعايته الانتخابية، وخاصة في ظل توجهه نحو السياسة التيسرية وتخفيض معدلات الفائدة.

يمكن القول إن التضخم العالمي الذي نشهده اليوم هو نتيجة لتفاعل معقد بين السياسات النقدية التوسعية، واختلالات سلاسل التوريد، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وعلى الرغم من محاولات الفيدرالي الأمريكي للسيطرة على التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة على مدار السنوات التي تلت جائحة كورونا، إلا أن التأثير لم يكن كافياً بسبب وجود عوامل متعددة تؤثر في الاقتصاد، في هذا السياق، يُعد رفع الرسوم الجمركية خطوة مدروسة واستراتيجية تهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية وجيوسياسية متعددة في آن واحد، بما في ذلك تقليل التضخم، وتعزيز الصناعات المحلية، وتحقيق قوة الدولار كملاذ آمن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد