بين جوع الطفلة وسقوط الشيخ… سقطنا نحن
قالتها الطفلة، وهي تلهث بالبكاء، ثم نظرت إلى العدسة كمن ينادي قوافل النجدة من وراء حجاب. لم تكن تعرف أن العالم قد أدار ظهره منذ زمن طويل. كانت تظن أن الصوت وحده يكفي، أن الدموع قادرة أن تخترق الشاشات وتصل إلى قلوب من ما زالوا يملكون طاولة طعام وكسرة خبز.
في بيت من خيام العجز، ولدت هذه الطفلة كأنها خلقت لتنتظر تنتظر الكهرباء، ثم الماء، ثم الطعام، ثم المعجزة. في كل صباح تستيقظ على صوت القصف أو على صوت معدتها الخاوية، أيهما يسبق الآخر لا فرق، فكلاهما وجع. تفتح عينيها على جدار من الصفيح، وسقف تتسرب منه الشمس والغبار، لكنها لا تتسرب إلى قلبها، ذلك القلب الصغير الذي اكتشف الجوع قبل أن يعرف الطفولة.
اسمها جنى، وربما لم يكن اسمها كذلك، لكنها كل جنى وندى ولمى وبيسان. طفلة تجر حقيبة من التعب، ترتجف في قميص أحمر باهت اللون، وتصرخ: «يا ناس يا مسلمين يا عرب»… قالتها بكل ما بقي لها من يقين. فهل سمعها أحد؟
في غزة، لا يعد الموت خبراً فالموت هناك روتين يومي، كأنهم تعودوا عليه، كما يتعود الفقراء على قساوة الشتاء. يموت الطفل في حضن أمه، ويموت العجوز على درج الدكان، وتموت الطفولة في قلوب الأحياء.
ولكن الجوع؟ الجوع هو العدو الأشد. لا يمكنك أن تهرب منه.. الجوع ينام معك، يوقظك، يبكيك، يسرق منك حتى القدرة على الحلم. وها هي جنى، لم تطلب شيئاً سوى أن تأكل. لم تقل: «أريد دمية» فقط قالت: «بدي آكل… بطني بيوجعني»!
يا للفظاعة. حين تتحول الطفلة إلى متسولة للخبز، إلى صدى لخيبة أمة، إلى شاهد حي على إفلاس العالم من الإنسانية. طفل واحد في غزة، يمثل سقوط ألف قمة، ونهاية مئة بيان شجب، وفضيحة صامتة لكل من جلس على كرسي ولم يمد يده.
الجوع في غزة ليس فقط غياب الطعام. هو أيضاً إذلال ممنهج، إهانة جماعية، سلاح من نوع آخر. جوع مصنوع، مفروض، مقصود. جوع لا يأتي من قحط السماء، إنما من طغيان البشر. من معابر مغلقة، ومساعدات مرفوضة، وصمت دولي أعطى الضوء الأخضر للخراب.
في مشهدها هذا، سقطت كل الأقنعة. لا أحد قادر على النظر إلى عينيها دون أن يشعر أن إنسانيته تهتز، أن قلبه تلوث، أن ضميره صدئ. وإن لم تهزه جنى، فلن تهزه آلاف الصور الأخرى.
ربما ستكبر هذه الطفلة، وربما لن تكبر. ربما ستموت الليلة من الجوع، أو ربما ستموت من قصف آت. لكن صوتها سيبقى. صورتها ستطاردنا. كلماتها ستكتب في دفاتر التاريخ بالحبر الأحمر: «بدي آكل… بطني بيوجعني».
منذ متى أصبح الطعام حلماً؟ منذ متى صار الخبز أمنية؟ منذ متى صارت الطفولة تهمة؟ من كان يظن أن طفلة ستهزم شاشات العالم بكلمة واحدة؟
أيها العالم، لا تطلبوا منا أن نصفق للسلام، ونحن نرى طفلة تنهار لأنها جاعت. لا تتحدثوا عن حقوق الإنسان وأنتم تغضون البصر عن بطن تؤلم صاحبتها إلى حدّ الانهيار.
«يا ناس… يا مسلمين… يا عرب»، كانت تلك كلماتها الأخيرة في الفيديو. لكن الرسالة لم تنته، لأن الجوع لم ينته، والحصار مستمر، وصوت جنى صار صدى لكل الأطفال الذين لا يملكون لغة تصف وجعهم.
رجل يركض من أجل لقمة… ويسقط قبل أن يصل
كان يقف في الدور، يضم يديه حول قدر صغير، ينتظر أن يملأه بالطعام الذي يتم توزيعه على العائلات المنهكة. لم يكن يتحدث. كان جسده هو من يتكلم. انحناءة كتفيه، عرقه الذي سال من جبينه رغم نسيم المساء، نظراته التي تتابع حركة المغرفة كأنّها آخر أمل في النجاة.
كان جسده نحيلاً كظل في آخر النهار، وعيناه مرهقتين من السؤال. لم يطلب الكثير. لا قطعة لحم، لا حلوى، فقط رز أو عدس يسند به قلب زوجته وحفيده. وبينما اقترب من نقطة التوزيع، خانته قدماه، وارتطم القدر بالأرض… وارتطم معه عمر طويل من الصبر.
الجوع لا يأتي كعاصفة… يأتي كزحف بطيء يسري في المفاصل، يثقل الرأس، ويخدر الإرادة. لكن هذا الرجل لم يكن جائعاً فحسب، كان محاصراً بالجوع، وبالعجز، وبالزمن الذي تحول فيه الوقوف في طابور مساعدة إلى امتحان للكرامة.
هو ليس مجرد مسنّ فلسطيني. هو حكاية، سيرة عمر، ذاكرة وطن مشققة بالخذلان. في قلبه قصف عنيف، وفي كتفيه تعب الأنفاق، وفي قدميه نزوح طويل طويل.
حين سقط، لم يكن السقوط جسدياً فقط. كانت ضربة لهيبة الشيخوخة، لطهارة اليد الممتدة… يد تطلب لا شيء سوى الطعام. ومن حوله، لم يدر الواقفون إن كانوا يجب أن يرفعوه بسرعة أولاً… أم يعتذروا له عن العالم بأكمله.
كان بالإمكان أن يكون هذا الرجل والد أحدهم، أو جده، أو حتى هو نفسه بعد عشرين عاماً. وكان بالإمكان أن تكون الصورة أقل قسوة… لكنها لم تكن.
وهل هناك أقسى من أن تنظر إلى يديك المرتجفتين، وتحاول أن تحفظ القدر في مكانه، وأنت تعلم أن ما فيه لن يكفي، لكنه على الأقل سيمنع الدوار لساعات قليلة؟
الناس كانت تقف خلفه. لا أحد يتكلم. بعضهم خائف أن يكون هو التالي. وبعضهم اعتاد السقوط لدرجة أنه لم يعد يهتز. والعدسة التي التقطت المشهد، لم تكن قاسية، بل صادقة حد الوجع. عرضت المأساة كما هي، بلا تزيين، بلا تعليق، بلا عزاء.
هذا الرجل لم يسقط لأنه ضعيف، بل لأن العالم كله جلس بثقله على كتفيه.
لا حديث هنا عن سياسة، ولا عن بيانات، ولا عن مفاوضات. الحديث عن إنسان… كان يريد أن يطعم بيته، فقط. لا أكثر.
لكن يبدو أن الشبع في هذا العالم رفاهية، لا تليق بالفلسطينيين.
هل رأيتم كيف كان يحاول التماسك؟ كيف أنه حاول أن يبقى واقفًا، أن يُنهي دوره، ألا يحرج نفسه؟ كم من رجل في عمره كان سيصرخ؟ سيبكي؟ سينهار أمام الناس؟ لكنه فقط سقط بصمت… كأنه لا يريد أن يزعج أحداً بوجعه.
منذ متى صارت المساعدات مشهداً للمذلة؟ من حول الطوابير إلى مذابح للكرامة؟ من أوصلنا إلى زمن يسقط فيه الشيوخ من الجوع، بينما تقام الولائم في العواصم المجاورة؟
لم يكن يريد أن يكون بطلًا لمشهد. أراد فقط أن يملأ قدره ويعود إلى بيته. أراد أن يقول لزوجته: «جبتلكم رز».. أن يضع شيئًا على النار. أن يشعر بأنه ما زال قادراً أن يعطي.
سألوني كيف انتهى المشهد. ربما أفاق الرجل، أو نقل إلى مشفى، أو عاد خائباً إلى منزله. وربما لم يعد. ما يهم أن الكرامة وقعت، وأننا جميعاً نمر من فوقها دون أن ننتبه.
كاتبة لبنانية
السفير عبدالغني يقدم أوراق اعتماده للرئيس السريلانكي
الأمن العام يكشف جريمة قتل سيّدة في محافظة إربد
لبنان يتوج بطلاً لغرب آسيا للناشئين لكرة السلة وإيران وصيفاً
قرى الأطفال: إثبات نسب 23 طفلا خلال خمس سنوات الأخيرة
يوم وظيفي في بيرين يوفر 45 فرصة عمل للشباب
الأمم المتحدة تثمّن جهود الأردن لإغاثة غزة
الأردن مستمر في الضغط على إسرائيل لإدخال المساعدات إلى غزة
عبور قافلة المساعدات التي تم تسييرها من الأردن إلى غزة اليوم
عشيرة الإبراهيم تثمّن إجراءات التحقيق بمقتل ابنها وتشكر الأجهزة الأمنية
مراكز شبابية تنفذ أنشطة وبرامج تدريبية وتوعوية متنوعة
بلدية إربد تستلم كابسات نفايات جديدة
فرنسا .. نقل الذبابة على متن مروحية إلى سجن شديد الحراسة
الجامعة الأردنيّة تبثّ لحظة وصول المُساعدات الأردنيّة لأهالي غزّة
التربية تدعو هؤلاء لإجراء المقابلات الشخصية لوظيفة معلم/ـة
فصل الكهرباء عن هذه المناطق غداً من الساعة 8 صباحاً حتى 6 مساءً
مكافحة الأوبئة يعلن عن وظائف شاغرة .. صورة
رئيس وزراء السودان يتعهد بإعمار الخرطوم
مواعيد الترخيص المتنقل المسائي في لواء بني كنانة .. تفاصيل
تعديل نظام تدريسي جامعة البلقاء لاحتساب المؤهلات الجديدة
مراهق يقتل شقيقته طعنا جنوب إربد
مجاعة غزة تلقي بظلالها على مهرجان جرش وحضور محدود
مستشفى السويداء مقبرة جماعية .. صور
توضيح من وزارة العدل حول نظام المراقبة الإلكترونية
ارتفاع أسعار الذهب في الأردن السبت 40 قرشًا
مواعيد انطلاق امتحانات التعليم الإضافي .. رابط
فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن هذه المناطق الأحد