الشهيد أنس الشريف شاهدٌ على الانحطاط العربي

mainThumb

17-08-2025 12:01 AM

أذكره جيدًا في أول تقاريره من غزّة العزّة، وعن حرب الإبادة، وأذكر تلك النبرة الحزينة الصادقة في صوته وهو ينقل لنا بالصوت والصورة مأساة شعب يتعرّض لأبشع حصار عرفته الإنسانية، وحرب إبادة جماعية لكل كائن يتحرّك على أرض غزّة وسمائها.
أنس الشريف (وله من اسمه نصيب)، وقبله الشهيدة شيرين أبو عاقلة، وما قبلهم وما بعدهم، وما بينهم في الحقيقة؛ هؤلاء شهداء على العصر وشهود على الظلم والقهر والانحطاط الذي وصلت إليه أمّتنا العربية. أذكر تقارير شهيدنا الصادق المصدوق أنس الشريف، التي صوّرت الواقع الفلسطيني في غزّة تحديدًا، وما زاد مصداقية أنس الشريف أنّه ابن القطاع الصامد الصابر، وأنّه يعيش وسط شعبه، شعب الشهداء، الشعب الذي يشيّع أبناءه الشهداء بالزغاريد وكأنها أفراح لدى أغلبهم، والبعض الآخر حزنه كأنّه فرح من القلب... هذه غزّة وأهل غزّة.

كما أذكر دموع أنس الشريف التي لم نرَها عند الأنظمة، تلك التي أصبحت تعبّر عن "حضارتها وانفتاحها" (وليس عمالتها مثلًا)، بفنّانة أو راقصة من الدرجة العاشرة في المهرجانات إياها.
دموع أنس الشريف وهو يرى امرأة مسنّة تقع على الأرض شهيدة الجوع، أو التجويع بشكل أدقّ، لسوء التغذية. وكانت تقارير أنس الشريف تهزّ الكيان الصهيوني وتفضح جرائمه بالصوت والصورة، وتحرك الضمير العالمي في أوروبا وأمريكا.

وللأسف، هنا كان الدهماء الجالسون على قارعة الطريق يهاجمون أنس الشريف ويتهمونه بما ليس فيه، ولم يبقَ لدى هؤلاء إلا شكر جيش الإجرام الصهيوني لأنّه اغتال أنس بتلك البربرية والهمجية.
وبالتأكيد، من تعلّم وعاش على كتابة التقارير لن يرى في أنس الشريف وأمثاله من الأحرار إلا ما يحرجه ويجعله أصغر من الصغير، حتى أمام نفسه وما تبقّى لديه من شبه رجولة وأمام الناس.

حتى اليوم، وصل عدد الشهداء من بلاط صاحبة الجلالة إلى 250 شهيدًا من الصحفيين والصحفيات، أغلبهم من فلسطين، بهدف اغتيال الحقيقة، وغزّة تحديدًا التي تشهد حرب إبادة بكل معنى الكلمة. والسؤال: ماذا لو قُتل إعلامي واحد صهيوني؟ كيف سنرى العالم كلّه يحتج ويتظاهر ضد ما يسمّونه بالإرهاب؟

لكن للأسف، دمنا نحن العرب أرخص من الماء. وأتساءل بألم: لماذا يصمت العالم على قتل الإعلاميين العرب شهداء الحقيقة؟ ولماذا لا يتحرّك الضمير العالمي الرسمي، المخدَّر بالأفيون الصهيوني، إلا عندما يكون أحد الصحفيين الشهداء يحمل جنسية بلد أوروبي أو أمريكي، كما حدث مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة، حيث قامت ثورة احتجاج تبشّر بأن الجريمة لن تمر، ولكنها مرّت، لأنّ المجرم القاتل صهيوني، والشهيدة عربية فلسطينية اسمها شيرين أبو عاقلة، وإن حملت الجنسية الأمريكية.

أليس الغريب ما تناقلته وسائل الإعلام للعالم المخدَّر بالأفيون عن تبجّح جيش الإرهاب والإجرام الصهيوني وادعائه بأن الشهيد أنس الشريف عضو قيادي في حركة حماس؟ وصمت العالم على هذا الهراء الصهيوني الذي لا يقبله عقل أو منطق، وهو جريمة لا تقلّ عن الجريمة ذاتها. ولماذا صمت العالم وكأنّ ما يجري في غزّة من قتل وإجرام واغتيال للحقيقة باستهداف الصحفيين ليس إلا حدثًا عابرًا؟ وتناسى العالم أن الشهيد البطل أنس الشريف وزملاءه الأبطال هم أبناء المعاناة الغزّاوية، وكثيرًا ما حُرموا من الطعام والشراب كأبناء شعبهم الفلسطيني في غزّة.

ودّعنا الشهيد الحي أنس الشريف وزملاءه، كما ودّعت أنظمة الاعتلال العربي الشهامة والكرامة والنخوة والرجولة.
لقد استُشهد أنس الشريف الإعلامي الإنسان صاحب الرسالة، ابن غزّة العزّة، ولكن رسالة أنس الشريف لن تموت، وستبقى شاهدة على عصر الانحطاط والخذلان العربي، وستبقى دماؤه ودماء زملائه الشريفة، ومن استُشهد أو جُرح من أهل غزّة، في أعناقنا جميعًا كعرب.

رحم الله الشهيد أنس الشريف وزملاءه، فقد وُلد أنس الشريف كمشروع شهيد وصاحب رسالة خالدة لن تموت، وسيبقى مدرسةً للجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد