ترامب ونتنياهو: عناق الدببة ومتجر الدم

mainThumb

26-10-2025 11:45 AM

أعداد متزايدة من مراقبي العلاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، باتت على يقين من أنّ صيغة عناق الدبّ هي الآخذة في الاستقرار أكثر فأكثر: كلما شدّ الأوّل في برهة عناق هنا وهناك، بما ينطوي عليه من هدايا تُسيل لعاب الثاني؛ كلما اقتربت رئتا المعانَق من ضيق استنشاق وشبه اختناق!
وفي موسوعات الـ«بزنس» يقول أحد تعريفات عناق الدبّ أنه إجراء تلجأ إليه شركة كبرى لشراء أسهم شركة صغرى بأثمان مجزية، حيث الهدف الأول هو إغراء المساهمين، والهدف الأقصى هو امتلاك الشركة ذاتها. ولأنّ ترامب رجل «بزنس» بامتياز، فإنّ من غير المستبعد أن يكون اتّجاره مع نتنياهو، كما في الكنيست الإسرائيلي مؤخراً، من طراز عناق الدببة ذاك.
«هراء»، هكذا ردّ نتنياهو على صحافي تساءل إذا كانت «الدولة الزبون» هي ما باتت عليه مضامين العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة؛ وكان منتظَراً، بالطبع، أن يُكمل هكذا: «لدينا شراكة، تحالف شركاء، يتشاركون في قِيَم عامة وأهداف عامة»؛ وغير منتظَر، في المقابل، أن يصدّقه أحد سوى أنصاره ورهط المغفّلين منهم خصوصاً. شريكه خلال المؤتمر الصحافي ذاته، كان نائب الرئيس الأمريكي ج. د. فانس، الذي لم يتأخر في التعليق على «الهراء» إياه، ليس من دون بصمة أسلوبية فارقة والحقّ يُقال: «نحن لا نريد دولة زبوناً، نريد شراكة. نريد حليفاً هنا».
ولم يكن أقلّ الأدلة على التضليل في ردود فانس أنه شخصياً، وبعده وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وقبلهما ستيف وتكوف المبعوث الخاصّ المقرّب من ترامب، وصهر الرئيس جاريد كوشنر؛ تقاطروا إلى دولة الاحتلال لتثبيت «شراكة»، لم تكن تحتاج إلى أكثر من أداء السفير الأمريكي مايك هاكابي، إذا كانت بالفعل لا تنطوي على مخاطر «شريك» من طراز نتنياهو. وأمّا الأدلة على الواقع الزبوني الذي أضحت إليه العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية فإنها ساطعة ومترادفة، وأشدّ وضوحاً من أي وقت مضى، على ألسنة ترامب نفسه (حول تعبير «الحرب انتهت في غزة» خصوصاً، ثمّ استبعاد ضمّ الضفة الغربية تحت سيادة الاحتلال لاحقاً)؛ ونائبه فانس، فضلاً عن وتكوف وجاريد و… «فرقة حسب الله»، مع الاعتذار من التعبير المصري المأثور.
دليل آخر ملموس، أعلى توصيفاً للحال الزبونية، توفّره بلدة كريات غات التي زارها فانس لأنها اليوم مقرّ أركان هيئة تنسيق تهيمن عليها الولايات المتحدة، حيث المكان إسرائيلي استيطاني الأصل بالطبع، لكنّ العلائم في داخله لا توحي بغير وجود أمريكي تامّ السيطرة؛ ولا تشتغل أجهزته إلا بموجب البنود الـ20 لخطة الرئيس الأمريكي. التفاصيل، خلال المؤتمر الصحافي تحديداً، لا تخرج عن توصيف طريف اجترحه صحافي إسرائيلي: منذ عودة ترامب إلى الرئاسة في واشنطن، لم يعد أمام نتنياهو من خيار سوى امتداح الرئيس، محاكاة أقواله، والتنبّه إليه، ومراعاته، وعدم مخالفته علانية بأي شكل…
وإذا كانت هذه «الشراكة» لا تنطوي على جديد طارئ أو فارق تماماً عن مجمل الماضي في علاقة دولة الاحتلال بالإدارات الأمريكية المختلفة، جمهورية كانت أم ديمقراطية؛ فلعلّ العنصر الذي لا يصحّ أن يُغفل اليوم هو حقيقة أنّ المعانِق الدبّ/ ترامب، لا يعني أنّ المعانَق نتنياهو ليس من صنف الدببة أنفسهم؛ بالمعنى الذي تحفظه الأمثال الغربية لدبّ يقتحم متجر كريستال، فيعيث فيه فساداً وتخريباً. فارق نتنياهو أنه حوّل قطاع غزّة إلى متجر دامٍ ودموي، ارتكب فيه جيش الاحتلال حروب الإبادة الجماعية والتجويع والتدمير المنهجي والتطهير العرقي والحصار، فقُصفت المشافي والمدارس ومخيمات اللجوء ومراكز الإيواء والمساعدات الإنسانية.
دببة تتعانق، إذن، حتى في ذروة اختلاط الأجندات الشخصية، وانحطاط «الشركاء» إلى سيّد آمر وزبون مأمور.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد