حين يبتسم البحر… حكاية عرسٍ صوريّ لا يُنسى

mainThumb

16-11-2025 10:29 AM

ليس كل الفرح سواء… فهناك أفراح تعبر القلب مرورًا، وهناك أفراح تُقيم فيه دهراً. وفي ولاية صور العفيّة، حيث يتكئ البحر على كتف الجبل، ويحتفظ المكان بذاكرة لا تشيخ، شاء الله أن يُزفّ قلبي قبل أن تُزفّ ابنتي، في يوم الجمعة الموافق 14/11، في عرسٍ حمل من التراث جماله، ومن العراقة روحه، ومن الناس دفئهم.

صور… حين يصبح التراث حيًّا

اختيار صور لم يكن اختيار مكان فحسب؛ بل كان عودة إلى الجذر، وإحياءً لطقوسٍ شامخة كالأمواج التي تضرب شواطئها. ما زادني دهشة هو تكاتف أهل صور، وحفاوتهم، وترحابهم النابع من أصالة صنعتهم لا من التكلّف.

منذ اللحظة الأولى، بدأت مراسم العرس بالطريقة الصورية التقليدية:
من الملكة التي تُقام قبل ليلة العرس، إلى ليلة الحناء التي تتحلّق فيها صديقات العروس حولها، تغمرهن أهازيج البحر ورائحة العود، وصولاً إلى تفاصيل صغيرة لا تُرى… بل تُحس.

ليلة الحناء… عبق التراث يعود

أصرّت والدة العروس —ابنة صور العفيّة— أن تكون المظاهر تراثية صرفة. لباس صوري قديم بألوان كالبحر عند المغيب، ونقوش تحكي قصص نساء الزمن الجميل، وكأن المكان عاد عقوداً إلى الوراء، لكن بإضاءة عصرية تحوّل كل لحظة إلى لوحة نابضة بالحياة.

كنت أراقب المشهد…
رائحة المسك… صوت الدف… أيادٍ تُزيّن الحناء بحنان… ابتسامات تتناثر كأنها زهور تُلقى في الفرح.
كانت تلك الليلة رواية كاملة، لا مجرد مناسبة.

وهنا أرفع شكري لصاحبة قاعة ليلتي وللمهندس المشرف على التنظيم، فقد ظهرت تفاصيل المكان كأنها مقطوعة من ليلٍ صوري أصيل.

التصبّوحة… صباح ينهض بالأغاني

في اليوم التالي جاء موعد التصبّوحة؛ صباحية نسائية بهيجة تقودها فرقة نسائية بأهازيج تنبض بالحياة.
أغنيات قديمة… إيقاعات تراثية… ضحكات صافية…

ثم يدخل الرجال من أقارب العروسين ،بعد الاستئذان ليشاركوا الفرح بإلقاء بعض الأموال تعبيرًا عن المودة والمباركة.

كان المشهد كله لوحة متحركة…
ألوان… أصوات… رقصات خفيفة… ورائحة العود تعبق في الهواء.

أثر العرس الصوري على المجتمع

في صور، لا يكون العرس مناسبة عابرة؛ إنه رابطة اجتماعية، يجمع الناس ويقوّي العلاقات ويُعيد تعريف معنى الجماعة والهوية.
التراث هنا ليس موروثًا جامدًا…
بل ممارسة حيّة تُنقل من جيل إلى جيل عبر الفرح.

ولهذا يخرج أهل صور من الأعراس بقلوب بيضاء، وكأنهم يحتفلون ببناتهم جميعًا لا بفتاة واحدة.

تكريم لوالدة العروس

كانت والدة العروس الروح التي أعادت للتراث بريقه. حرصت على أن تهدي ابنتها ليلة تشبه صور… أصيلة، مشرقة، لا تُنسى.
كانت تستحضر الزمن الجميل بخطوات هادئة، مقتنعة بأن التراث ليس شكلاً… بل شعور يُهدى.

خاتمة… تبقى في الذاكرة

لم يكن العرس مجرد يوم جميل…
بل قصة مكتوبة على صفحة ماء، ومثبتة في الروح، وموثقة بضحكات لم تغادر القلب.

إن العرس في صور لا يُقرأ… بل يُشاهد.
ولا يُشاهد… بل يُعاش.

شكرًا لأهل صور على كرمهم، وتراثهم، وقلوبهم التي تُشبه البحر: واسعة، صافية، ممتلئة بالحياة.
وسيظل هذا العرس —في ذاكرتي وذاكرة ابنتي— ليلة من نور…
تصعد فيها الزغاريد… ويبتسم البحر



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد