خطأ ( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) !

mainThumb

27-07-2013 04:35 PM

 يتردَّدُ على ألسنةِ الناس مثلٌ : ( قطع الأعناق ، ولا قطع الأرزاق ) !!!


وهذا من أدلة فُشُوِّ الجهل الذي أُخْبِرْنا عنه ، ففي هذا المثل جعْلُ قطعِ الرزق أعظم من سفكِ دم المسلم !!


وهذا من عظائم الأمور ، ومن صدور الأمثلةِ ممن ليسوا بأهلٍ لنظمها وَحَبْكِها ولِنُسَلِّط أضواءَ الحق على هذا المثل الجاهلي :

لقد بَيَّنَ اللهُ لنا أن الأرزاقَ من عنده حيثُ قال : ( وفي السماء رزقُكم وما توعدون ، فورَبِّ السماءِ والأرضِ إنَّهُ لحقٌ مثلَ ما أنَّكم تنطقون ) . فالله – عزَّ وجَلَّ – ذكر السماء عند ذكر أرزاق العباد حتى يُطَمْئنهم على ذلك ، وأنَّ أيدي البشر لا تصل لهذا الشيء ، فليطْمَئِنَّ كلُّ ذي رزقٍ لرزقِهِ ، وأكَّد ربُّنا هذه الحقيقة بقوله : ( مثلَ ما أنكم تنطقون ) فهل يشُكُّ أحدُ في نطق الناطق ، وحديث المتحدِّث ؟!!

فنَمْ قريرَ العين ، ولا تخشَ على رزقِكَ أحدا .

وقال تعالى : ( وما خلقتُ الجَنَّ والإنسَ إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما اريد أن يطعمون ، إنَّ الله هو الرَّزَّاقُ ذو القوة المتين ) .

في هذه الآية تقرير واضح أن الرزَّاق هو الله ، ومعنى الرَّزَّاق كثير الانعام والتفضُّلِ على عباده .

أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجة وأحمد  عن أنس – رضي الله عنه - قال : ( غلا السّعر على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلّم فقالوا : يا رسول الله ! لو سعّرت ، فقال : إنّ الله هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعّر ، و إنّي لأرجوا أن ألقى الله و لا يطلبني أحدٌ بمظلمة ظلمتها إيَّاه في دمٍ و مال ) .

فالأرزاقُ بيد الله ، والأسعار بيده كما نصَّ الحديثُ الصحيح .

وجاء في الحديث الصيحيح عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( ... وإن الروح الْأَمِينِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ تَمُوتُ إِلَّا وَقَدْ كتب الله تعالى رِزْقُهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِالْمَعَاصِي فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عند الله تعالى إِلَّا بِطَاعَتِهِ ) .

قال المناوي في فيض القدير: ( ((ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق)) أي حصوله (أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال عنده) من الرزق وغيره (إلا بطاعته) قال الطيبي رحمه الله : والاستبطاء يعني الإبطاء والسير للمبالغة وفيه أن الرزق مقدر مقسوم لا بد من وصوله إلى العبد لكنه إذا سعى وطلب على وجه مشروع وصف بأنه حلال وإذا طلب بوجه غير مشروع فهو حرام فقوله ما عنده إشارة إلى أن الرزق كله من عند الله الحلال والحرام وقوله أن يطلبه بمعصية إشارة إلى ما عند الله إذا طلب بمعصية سمي حراما وقوله إلا بطاعته إشارة إلى أن ما عند الله إذا طلب بطاعته مدح وسمي حلالا وفيه دليل ظاهر لأهل السنة أن الحرام يسمى رزقا والكل من عند الله تعالى ( .

وتعجبني أبياتٌ للشاعر ابن زريق البغدادي عندما خاض تجربةً مريرة في الركض وراء الرزق حتى سبك لنا هذه الدرر من شعره :

وَمـا مُجـاهَـدَةُ الإِنسـانِ تَـوصِـلُهُ .......... رزقَـاً وَلا دَعَـةُ الإِنسـانِ تَقطَعُـهُ


قَـد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَـلـقِ رزقَـهُـمُ .......... لَم يَخـلُـق اللَهُ مِن خَلقٍ يُـضَيِّعُـهُ


لَكِنَّهُـم كُلِّفُـوا حِـرصـاً فلَستَ تَـرى .......... مُستَرزِقـاً وَسِـوى الغاياتِ تُقنُعُـهُ
 

وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت .......... بَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغـيَ المَرءِ يَصـرَعُـهُ


وَالدهـرُ يُعطِـي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُـه .......... إِرثاً وَيَمنَعُـهُ مِن حَيثِ يُـطمِعُــهُ .


فبعد سرد هذه الأدلة يتبين لنا أن أرزاق العباد من عند الله ،  فهو يُصَرِّفُها كيفما شاء .


ولِنُلْقِ نظرةً سريعة على حُرْمة دم المسلم ( قطع الأعناق ) :


قال تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) .
 
فانظر الى العقاب المترتب على سفك دم المؤمن بغير حق : ( جهنم خالدا فيها ، غضب الله عليه ، ولعن الله له ، عذاب عظيم ) !

وأخرج البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِن دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا  ) .

وعند الترمذي والنسائي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :  ( لَزوال الدنيا أهون عند الله مِن قتل رَجل مُسلم ) .
ونظر ابن عمر يوما إلى البيت - أو إلى الكعبة - فقال : ( ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني .


فالأحاديث كثيرة جدا في بيان حرمة سفك دم المسلم بغير حق .


فمن هذا التقرير يتبين خطأ هذا المثل الشائع على ألسنة الناس :

( قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ) فلو عرفوا أن الرزق من عند الله حقيقة ، وانه لا خوف عليه ؛ لما جعلوا ذلك أعظم من سفك دم المسلم .

ولكنْ للجهلِ بهذه الحقائق صدر مثلُ هذه الأمثلة العرجاء !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد