صخب عبثي

mainThumb

21-07-2021 05:41 PM

كان يتابع رتل السيارات التي تملأ الشارع، بنظرة ساخرة، واضعاً ذقنه فوق ظاهر يده التي تمسك بعكازته الحكيمة، عندما قاطعته مازحاً، أعجبك هذا الصخب؟! فالتفت اليّ وكأنما أفلتُّ له وكاء الضحك الممتلئ في داخله، فضحك حتى أسلمه الضحك المرتفع الى السعال العميق..
 
تركته حتى أكمل ورده من الضحك اللذيذ، الذي يوازي لذة لفافة تبغ بلدية "هيشية" أيام الشباب..
 
قلت له: شباب فرحون بتخرجهم ويستعرضون مهاراتهم في قيادة السيارات،.. ألم تكن في شبابك تستعرض أنت وأترابك مهاراتكم الفروسية على الخيل في أي مناسبة كبرت أم صغرت؟!
 
مسح دموعه التي أمطرها الضحك، ثم قال: نعم كنا نستمتع ونشارك أي شخص بلا دعوة حتى لو لم نكن نعرفه! وليس اعتراضي على استعراض الشباب، ولا أعترض أيضا على أن المناسبة ليس بمستوى الصخب، فأصحاب الصخب هؤلاء ليس في ذهنهم الخريج ولا شهادته وما نوعها، ولا يهمهم ما سيؤول اليه حال الخريج ووالده صباح اليوم التالي ولا مستقبل الخريج بعد انقشاع الصخب، فالذي يعيش هذه الأجواء يكون في لحظة سكر ترفعه الى عنان السماء بعيدا عن الواقع ما دامت، ثم تنحط به الى الأرض فيعود سيرته الأولى، وإذا كل ما عاشه كان "سكرة" وتلاشت والآن جاءت "الفكرة" ومواجهة الواقع.
 
- إذن مالأمر الذي أوصلك الى هذا الوضع من الضحك؟..
 
قال الشيخ وقد عادت تدغدغه الضحكات: كنت قبل قليل أشاهد على التلفاز صخباً يشبه هذا الذي تراه تماماً، ولكنه على مستوى دولي، صخباً يجعل الشعوب تظن أن هذه الاحتفالية والأصوات وهذا الاهتمام والاستعراضات تخرجهم  من القاع الى القمة، ويتغير حالهم الاقتصادي والسياسي الى الأبد، لكن الحقيقة، أنه عندما تنتهي هذه الزوامير والتشعيط الدبلوماسي، وتصل "الفاردة" الى بيت "الخريج"، ويتفرق "الطبيلة"  ويتحلل  العريس من إحرامه، تبدأ تتلاشى الأضواء ويخف الصخب شيئاً فشيئاً، بعدها يعيش مع خيالات الصخب أياماً ثم يعود الوضع كما كان، وربما أسوأ!!
 
كل شيء له حجم معين لا يتعداه، وكل شخص يراه حسب ما يحمل من فكر ومعلومات، فالعاقل يراه بحجمه الطبيعي، والساذج الذي تنقصه المعلومات والوعي، يراه عملاقا يملأ ما بين السماء والأرض..


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد