أبو أربعة وأربعين

mainThumb

25-06-2011 03:02 PM

     كان يوما حزينا جدا .. ذلك اليوم الذي أتممت فيه من عمري أربعة وأربعين عاما، وأشد ما أحزنني فيه أنه لم يفطن إليه أحد سواي، حتى أمي التي ولدتني قبل أربعة وأربعين عاما نسيته، فلما ذكرتها به سردت علي إلياذة ولادتي في العاشر من حزيران عام سبعة وستين ، خامس أيام حرب الأيام الستة، ليلة سقوط القنيطرة والجولان، وأضافت بأن التيار الكهربائي انقطع لحظة ولادتي، فأتمت القابلة مراسيم الولادة الحزينة على ضوء الشموع، وذكرتني أمي بأنهم لم يوزعوا الحلوى بولادتي شعورا منهم بنكسة الأمة وهزيمتها وضياع القدس والأقصى وما تبقى من فلسطين وانكسار الأمة.
     كل مشاعر الانكسار والهزيمة والنكسة والضياع والفشل اجتمعت علي في هذه الذكرى الأليمة، ليس بسبب ما أصاب الأمة وما زال يصيبها بل بسبب ما أصابني وما زال يصيبني، وبسبب عدم قدرتي على إجابة نفسي على سؤال واحد، ماذا أنجزت في هذه الحياة خلال أربعة وأربعين عاما؟!
    الصحابي الجليل معاذ بن جبل أعلم الناس بالحلال والحرام عاش ثلاثة وثلاثين عاما فقط، خلد التاريخ فيها سيرته العطرة! الإمام النووي عاش أربعين عاما، ملأ الدنيا فيها علما ونورا! الإمام حسن البنا عاش ثلاثة وأربعين عاما، جدد بها روح الجهاد والنهضة في الأمة إلى يومنا هذا! فماذا فعلت أنت يا صاحب اللسان والقلم في أربعة وأربعين عاما؟!
     ماذا قدمت للإنسانية التائهة؟! ماذا صنعت للأمة المنكسرة؟! بماذا ضحيت لوطنك السليب فلسطين؟! ماذا بذلت لوطنك الغريق الأردن؟! ماذا أنجزت لنفسك وأسرتك وأهلك وعشيرتك على كل المستويات؟! ماذا أنجزت على المستوى التربوي والإيماني؟! وعلى المستوى العلمي والثقافي؟!  وعلى الصعيد الاجتماعي والجماعي؟! وأخيرا على المستوى الاقتصادي والمادي؟!
     ثم ماذا قدمت لآخرتك بعد أربعة وأربعين عاما وقد أعذر الله إلى رجل بلغ أربعين عاما؟! ألا ترى أن كل مؤشرات النجاح والإنجاز الإيمانية والأخروية في هبوط مستمر حتى كادت تصل إلى الصفر المطلق؟!
       حاولت أن أرد على كل ما سبق وأثبت لنفسي أنني ناجح رغم كل ما قيل، ففتحت على الموقع الإلكتروني الشهير "جوجل" وكتبت أول حرفين من اسمي "الهاء والشين" فظهر في الخيارات اسمي كاملا بتكرار بلغ أربعمائة ألف متفوقا على من جاء بعدي وهو "هشام بن عبد الملك" الخليفة الأموي الشهير، الذي أصبحت أكثر شهرة منه على ذمة "جوجل"، والذي سماني والدي باسمه تيمنا به وبفتوحاته وإنجازاته، ثم ندم على تسميتي لما علم أن بعض الروايات التاريخية اتهمت هشام بن عبد الملك بدس السم لعمر بن عبد العزيز.
      
     وبعد أن عشت لحظات من النشوة مع "جوجل" تأملت أكثر في الأسماء التي تفوقت في الذكر على هشام بن عبد الملك، فوجدت الممثل الكوميدي هشام يانس والمطرب المصري هشام عباس وعلى رأس أصحاب الهاء جميعا المغنية اللبنانية هيفاء وهبي!
      أخيرا عثرت على لقب يمكن أن ألقب به نفسي بعد أن بلغت الرابعة والأربعين، لقب يختصر كل الإنجازات والنجاحات ويخفي تحته كل النكسات والإخفاقات، إنه لقب مستوحى من حشرة عظيمة يخشاها الناس جميعا هي "أم أربعة وأربعين" ، أما لقبي الجديد فهو "أبو أربعة وأربعين"!

         hishamkhraisat@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد