من الوحدة الى التعاون

mainThumb

03-08-2011 12:49 AM

قد يبدو مستغربا لدى القارئ الكريم، أن أكثر ما كان يحير كاتب هذة السطور وهو في العقد الثاني من العمر إجابة السؤال العفوي التلقائي في ستينيات القرن العشرين (من من الملوك او الرؤساء العرب سيكون اوَل الرؤساء للولايات العربية المتحدة؟).لم يكن ذلك حلما استغرق ثوان في المنام ، بل حلم يقظة كتب له ان يعيش بضعة عقود من الزمان.




 فقد كانت آمال الوحدة العربية ما زالت على قيد الحياة، على الأقل في أذهان المتفائلين من أبناء العرب ، ناطقي الضاد. فقد كانت ترتسم في اذهاننا ونحن اطفال- ولم تكن سواعدنا قد اشتدت بعد- خارطة الوطن العربي الكبير ، وقد كتب عليها بخط أسود عريض ( الولايات العربية المتحدة)، أو ما شابهها من العبارات التي تدل على ان منظومة وحدوية جديدة، ستتشكل تحت هذا المسمى أو ذاك من مسميات الوحدة. وان المشكلة الوحيدة التي كانت تؤرقنا آنئذ هي: كيف سيتم اختيار الرًئيس ؟ ومن سيكون اول رئيس للولايات العربية المتحدة؟ فهل سيتم الإختيار من قبل الشعب العربي مباشرة، أم من قبل ممثلي الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية العتيدة ؟ قد يبدو ما ذكر مبالغ فيه لكنَها الحقيقة ،فقد كان الخطاب الإعلامي آنذاك خطابا وحدويا بامتياز .




وكان الناس على بساطتهم لا يستمرؤون من الحليب الا ما كان قد مزج بشيء من النزعة القومية الفطرية .فقد ورث الآبآء وورًثونا( ان العرب من محيطهم الى خليجهم هم إخوتنا ) مما جعل لطموحاتنا مشروعية ، إستندت على دعوتهم كلما ألم بهم خطب قائلين، (اللة اكبر ،أين العرب ؟).دعاءٌ يتبعه سؤال كان ينم عن الأمل، ولم يكن يعرف اليأْس. كانت هذة الصرخة البريئة تدوي في السماء، في كل موقعة من مواقع المواجهة مع الأعداء ، دوت عام 1948 وما قبله حين احتلت العصابات الصهيونية الجزء الأكبر من فلسطين ، ثم عام 1967حين احتل الجزء المتبقي من فلسطين ، ثم عام 1968 على إثر معركة الكرامة الخالدة ،ثم عام 1973 خلال حرب تشرين وبقيت الصرخات- صرخات الآبآء والأجداد- تتوالى .... .




ترتفع فتطاول السماء السابعة ، لكنها لم تكن لتعود لتلامس الأرض . رحل الأجداد ...ثم رحل الآبآء ...- ولا أدري أكان غباء أم ذكاء - من هؤلاءالأجداد والآباء، حين أصروا حين ارتحلوا أن يرتحل الحلم معهم.وصرنا نشعر حين كبرنا، ان سقف الطموح لدينا يهبط شيئا فشيئا .الى ان... سقط. سقط الحلم...وتهاوى الطموح ، ورأيناه بأم أعيننا يتدحرج في واد سحيق، ولم نعد قادرين على رؤيته منذ ذلك الحين . انحسرالأمل ... فلم يستطع الصُمود أمام بلاغة السَاسة العرب، في اختيار التراكيب والكلمات المناسبة لوصف الرًابط الذي يجمع الأُمة .فقد نبغ جهابذة السياسة في قضية الإحلال ...





وعلى التوالي كانوا ينجحون دون الرجوع إلى قواميس اللغة، في إختيار المصطلح الذي يليق بجمعهم الطيب . وبسرعة في واحدة من قممهم أهالوا التُراب على ( الوحدة العربية)، وقرأوا الفاتحة على روحها الطاهرة ، -لا حزنا عليها- بل لان نادبي الوحدة في ذلك الحين كانوا كثر ، ولم يستعن المشيعون بأهل اللغة، حين وصلوا المبتغى ، واكتشفوا مصطلح الوفاق، فضخَموا المصطلح ،ونفخوا فيه من أنفاسهم الطاهرة ، فبدا وكأنه عملاق كبير يحمل الغنائم لكل من نطق بحرف الضاد. لم يكن مصطلح الوفاق يملك القدرة على قراءة تعابير الوجوه، فلم يفلح -اللامأسوف على فراقه- على الصمود ، حين ظن أنه سيصمد أمام القصف السياسي واللغوي الذي تمرس عليه معلموا اليأس .




وحين اكتشف أنه سيتم استبداله بمصطلح ( التضامن العربي )، أصابه الوهن وبدأ جسده يهزل، إلى أن فارق الحياه. دفنوه أيضا .... غضاً... ، طريأ ...فقد تعلموا من الإسلام أن "إكرام الميِِت دفنه،وكانوا قد تعلموا من الجاهلية ان الروح من الممكن أن تدفن وهي على قيد الحياة. وظهر مصطلح ( التضامن العربي ) شامخا على القمم العربية .. فرحا .كيف لا، وقد برزت صورتة واثقاً ، وهو يتقدم مواكب نشرات الاخبار، وعلى كل شاشات بني يعرب ،ظنًا منه أن قوًته ستخوله الصُمود أمام زوابع القهر العربي ...ولم يكن مصطلح التضامن المسكين يعلم أن جسده وعلى عجل سيحقن بسرطان الفرقة من قبل المختصين من أهل العلم من خبراء المصطلحات ، إلى أن يموت...فمات ...مات دون أن يودع أحداً.





مات ولم ياسف على فراقه أحد. وهذه المرًه اكتشف دعاة اليأس أن ( التعاون العربي المشترك) هو المصطلح الأمثل الذي يستطيع مواكبة الركب ،والسير بخطى ثابتة ، يستطيع من خلالها أخذ الإذن للبقاء ضمن المنظومات الدولية .ظنا منهم ان الجامعة العتيدة، قادرة على حمايتة من الهجمات الشَرسة التي ستهب عليه من كل حدب وصوب ومن حين إلى آخر، بدعوى عدم قدرته على الإنسجام مع الحالة العربية .




وعجزه عن وصفها بشكل دقيق .وشعر وهو يحبو، ولم تكن ساقاه قد اشتدتا بعد ، شعر بشيء من الصُداع ، ثم لازمه التقيؤ والإسهال بسبب سخونة الأرض العربية ، فلم يحتمل حرارة الأرض ، إلى ان وصل إلى مرحلة الجفاف ،وبدأ جسده بالهزال ....حتى سقط ، وبقي مستلقيا على الأرض ، الى ان فارق الحياة...مات... ولم يكن قد وطئء بقدمية الهزيلتين البائستين اليائستين حوش الدار .




لم يقرأوا الفاتحة على روح ( التعاون العربي) ولم يكن لبني يعرب وقتا لتكفينه ، لا لكثرة اعمالهم أو إهتمامهم بالشأْن العربي، بل بضغط شديد من منافسه مصطلح ( العمل العربي المشترك). فقد كان هذا المصطلح متحفزاً ينتظر الخلاص منه لحظة بلحظة، مسنوداً بقوىَ خفية، لا يعلمها إلا هو... والراسخون في العلم .فاستجاب الجمع لضغطه الشديد .- بل قل للقوى الخفية -.وألقوا به -على عجل- في مهاوي الرًدى ، حتى استقرً في حفرة من حفر التاريخ العربي الذي يمتاز بضعف الذاكرة ... استقرً بواد سحيق ،لا يمكن انتشال جثته منه، إلا بمساعدة القوى الخفيَة التي كانت سبباً في قتله .




وتنادى القوم مسرعين- ان هلمَوا يا بني يعرب- ف (العمل العربي المشترك ) قوي البُنية، بهيُ الطلًعة ، ممشوق القوام ،حسن المظهر،ويتقن عدة لغات، سواء تلك التي يجيدها الأصدقاء ،أم تلك التي يجيدها الأعداء ،فهو خير معين لنا على تجاوز المرحلة .ولم يكن المصطلح الجديد يحتاج الى تزكية من أحد ليعتلي منصة الجامعة العتيدة ، فاعتلاها واثق الخطوة، مدفوعاً بقوى اليأس العربي . ليكون إسفينا جديدا يدق في نعش الوحدة العربية . مع كل هذا وذاك .ألأيام دول، والزوبعة تدور ، ولا ندري متى ستستقر. لكننا متيقنين أن الدوائر ستجلب معها أملا جديدا بالوحدة، قد يكون لأحفادنا نصيب منه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد