الانتماء للوطن بين الشك و اليقين

mainThumb

18-08-2011 12:00 PM

يتمنى كثير من الشباب العربي جنسية أخرى غير جنسيته، لأنهم يشعرون بالغربة داخل أوطانهم. وفي تقديري ،  يعود ذلك إلى عدم تكافؤ الفرص، وعدم الإحساس بالعدالة والكرامة ، وغياب الديمقراطية ،  و عدم توافر الحرية ،  وعدم التوزيع العادل للثروات ، واحتكار أصحاب النفوذ ، وإهانة كرامة الشباب وإذلالهم وتعذيبهم . مما دفع بعضهم إلى الموت  غرقًا في قوارب الهجرة غير الشرعية للخروج من الوطن.



لا يجوز الكلام عن الانتماء للوطن ، وحرية المواطن منقوصة أو مسلوبة ، ولا يجوز الكلام عن العدل والعدالة، ورائحة الفساد تزكم الأنوف ، ولا يجوز الكلام عن الإصلاح وأصحاب الحل والعقد يدفعون بعجلة الوطن نحو الخلف ويدعمون قوى الشد العكسي ،  الانتماء  يبقى مجرد كلمات إذا لم يقترن بالفعل والانجاز، وعندما يترافق القول مع الفعل، فإن وعي المواطن يتعزز بانتمائه إلى وطنه، وتنمو وطنيته ويصبح لديه الجاهزية للذود عن حماه . عندما تتوافر الحرية والعدالة والكرامة فإنك تجد هذا الشباب يتكلم ويفعل بكل فخر ما يثبت انتماءه العميق لهذا البلد، وأنه جزء منه، وبأن صوته هو الذي يصنع قراره.. هذه العوامل وغيرها تزيد الانتماء لدى الشباب.



أنَّ أهم شيء للتعبير عن الانتماء هو الإحساس الداخلي المتوازي مع السلوك العام، مثل فكرة الإيمان، فهي ما وقر في القلب وصدقه العمل، والانتماء للوطن جزء من الإيمان، فلذلك وجب على الشباب أن يعملوا ما بوسعهم لكي يكون حب الوطن والانتماء له شيئًا ملموسًا في سلوكهم، وهذا يبدأ من مستوى عدم إلقاء القاذورات على الأرض، والحفاظ على سلامة الوطن، وصولاً إلى العمل على بناء الوطن وتنميته، والقيام بأعباء الحفاظ على أمنه. وفي تصوري إلى الآن لم يعِ الشباب العربي مفهوم الانتماء الوطني، وهذا يظهر من خلال سلوكهم نفسه، فلا يزال فيه الكثير مما يتطلب الانضباط والتغيير، ولا يزال الكثيرون لا يشاركون ولا يقومون بما عليهم من واجبات تجاه وطنهم.



الانتماء إحساس إنساني تكتمل به شخصية الإنسان، وتختلف أساليب وطرق التعبير عنه،  نحن ننتمي إلى أسرتنا، ولكن هذا لا يمنعنا من الاختلاف مع أفرادها أو حتى مع رموز السلطة فيها، وهذا الخلاف أو الاختلاف لا يعني عدم الانتماء نفس الشيء بالنسبة للأوطان،  فكل مواطن ينتمي بنفس الدرجة إلى وطنه، والقلة التي تبيع الوطن هي الاستثناء، وهي حالات مرضية نادرة. إن مشاعر الانتماء يمكن أن تكون سلوكًا دائمًا ومستقرًا إذا شعر المواطن بأنه "مالك هذا الوطن" أو تتحول إلى ردود فعل لحظية ترتبط بفرحة أو كارثة، إذا كان المواطن مقهورًا ومهمشًا.



إن الانتماء الوطني يحتاج إلى عمل مستمر وجهد لا يتوقف، من المؤسسات الثلاث المسؤولة عن تركيبة العقل والوجدان : التعليم، والثقافة، والإعلام، ومن خلال الدوائر التي تحيط بالفرد: الأسرة، والأصدقاء والأصحاب والزملاء ،  ثم المجتمع والدولة. ويجب أن يتشارك الجميع الرؤية والمقاصد والوسائل والأساليب، حتى يتزايد الانتماء، وهذا يتحقق بالمشاركة والوضوح والمصداقية من جانب، واستعادتنا لملكية الوطن  من جانب آخر. إن حب الوطن ليس أهازيج أو شعارات.. بل هو المقدرة على الحفاظ على أمنه وأمانه.



الانتماء للوطن هو جزء من منظومة الأخلاق المتكاملة، التي يجب أن يتشربها الطفل من صغره، ويجب أن يحرص عليها الآباء حرصهم على بقية المكارم والأخلاق. كما يجب أن يربط حب الوطن بالدين ، وأنه من الإيمان، ومن المفيد ضرب الأمثلة من حياة النبي والصحابة والصالحين عبر التاريخ في حبهم لأوطانهم، لا بد من ضبط مساحة الوطن في حياة الطفل، وأنه جزء منه،  والتعبير الدائم عن الفخر بالانتماء لهذا الوطن،  وتوضيح أسباب منطقية يستوعبها عقل الطفل لهذا الانتماء، مثلاً توضيح تاريخ الوطن، وكفاح أبنائه، وما يتميز به الوطن من خيرات ومآثر ونعم ومزايا،  وزيارة المعالم التاريخية والمتاحف الوطنية، والقراءة في سير أبناء الوطن الناجحين عبر التاريخ من علماء وأدباء ومفكرين، وتعريف الطفل ما يتهدد هذا الوطن، ودرونا في حمايته، وأنه مسؤول عن ذلك حسب عمره ومكانه.



إن الانتماء للوطن لا يتعارض مع الانتماء للوطن الإسلامي الكبير حيث الإسلام أيضًا لم يهمل تلك العاطفة الجياشة التي تتكون في قلب كل إنسان نحو المكان الذي نشأ به وتربى وترعرع فيه، فهو يتعامل مع عاطفة الإنسان نحو وطنه باتزان، فالإنسان يرتبط عاطفيًا بموطنه الذي له فيه الذكريات والأحداث والأشخاص الذين يحبهم ويحبونه، وفيه أقرباؤه وأصدقاؤه ومحبوه،  ويؤكد على ذلك الارتباط ويعظمه، حنين الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمكة المكرمة، عندما خرج منها مكرهًا، فقال بعد أن التفت إليها: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليّ ،  ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت). وفي الحقيقية ، إن الحفاظ على الوطن وصيانته هو قيمة إسلامية ، فأوطاننا قطعة من جسد الإسلام، وأهله جزء من أجزائه، ومؤسساته جزء لا يتجزأ منها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد