الشعـب يـريــد

mainThumb

27-10-2011 08:38 AM

دخلت مفردة " الشعب " في الخطاب السياسي بكافة خلفياته الفكرية والعقائدية والأيدولوجية دون تمييز لمقصدها أو تحديد لصواب ما تعنيه هذه المفردة من وضعها في متن هذا الخطاب الذي تنافست في استعمالها العام القوى المختلفة في مدارات طروحاتها المختلفة والمتناقضة .

 الحاكم , يدعي إنه يعبرعن الشعب وإرادته في آرائه وفي مواقفه وفي سياساته وفي نظرياته الاجتماعية والسياسية وطروحاته الاقتصادية .

 كل من قوى المعارضة السياسية التي تختلف فيما بينها في طروحاتها وفي رؤاها وفي فكرها وعقائدها , لا يجد مناصا ً من اللجوء في تفسير مواقفه من النظام الحاكم ومن وهم تميزها عن فكر الآخر ,من الأحزاب والقوى , ورؤاه من المعارضين الآخرين إلى الادعاء بتجسيده لـ" موقف الشعب " وأن مطالبه تحقق " مطالب الشعب " حيث إن ادعاء كل فئة أو جبهة أو جهة بتمثيلها " للشعب " هو ادعاء تراه كل منها من ذاتها دون تفويض أو طلب أو رجاء من "الشعب ".

 من حيث المبدأ ليس هناك شعب متجانس ومتلاق في كل ما من شأنه أن يحقق مثل هذا التجانس الوهمي .

 الشعب , منذ القدم مجموعة مكونات من البشر الذين تتعدد أجناسم وأديانهم و مواقفهم من القضايا السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية وتختلف ثقافاتهم وخلفياتهم التراثية , وتتنوع رؤاهم للمستقبل وتتفاوت ردود أفعالهم تجاه الأحداث التي تقع في موطنهم , كما تتفاوت الاستجابة لكل حدث منها .

 التعددية والتنوع كانتا منذ الخليقة تجسدان حكمة إلهية سرمدية ( أنظر كتابنا التعددية والتنوع محركا التطور والتقدم , دار أزمنة – عمان , 2006) .

ولكن هذه الحقيقة التعددية المختلفة والمتنوعة لم تجد لها مكانا ً في عقلية الأحزاب والمنظمات والجمعيات السياسية ولم تنعكس على خطابها المباشر ولم تبدو ملامحها في الصيغات العقائدية والأدبيات الحزبية , وهي لربما تشكل أحد الأسباب التي قلصت النشاط الحزبي ميدانيا ً واختزلت القوى الحزبية الى قوى نخبوية لم تجد مناصا ً من المعاناة في فهمها للتعددية والتنوع حتى في داخل تنظيماتها وما استتبع ذلك من انقسامات وخلافات داخل التنظيم نفسه عصفت بركائز كوادره وقياداته , ومع ذلك داومت على الإصرارعلى تمثيل الشعب والنضال من أجله والتعبيرعن إرادته , مع أن "الإرادة " لاتملك الصيغة الجمعية في مجملها , وليس من حق أحد الادعاء بتمثيل الآخرين ,أو أي أحد آخر, دون موافقتهم الطوعية العلنية والصريحة المعبرة عن قناعات مشتركة.

 لكل نظام حكم , في كل زمان ومكان ,معارضون , والمعارضون يتعارضون فيما بينهم, وهناك الصامتون وغير الراغبين في التفاعل مع الأنشطة السياسية أو الاستجابة لدعوات النظم الحاكمة أو القوى السياسية الساعية في نهاية المطاف إلى الحكم أو المشاركة في الحكم .

 لكل من هذه القوى والتيارات كامل الحق في التعبيرعن إردة أعضائها ومطالبهم النابعة من قداسة حرياتهم الفردية , وللحكومة أن تظل في منأى عن المزايدات السياسية , وليس من حق أحد منهم أن يدعي تمثيل الشعب ( حتى المرشحون الفائزون في الانتخابات العامة لا يمثلون سوى ناخبيهم – أنظر مقالنا السابق ضمن مقالات السوسنة ) ." الشعب يريد " شعار بريء من التخمة الحزبية أو الانحياز العقائدي ,لأنه سعار صادق في التعبيرعن صرخة قانونية عن حالة غضب من قسوة الدكتاتور والنظم الفردية والتعسفية والشمولية والفاسدة , تتلاقى عندها رغبة عامة في الخلاص من الظلم وتأكيد الحق الطبيعي بالكرامة الفردية , ولكنه لا يعبرعن (إرادة الشعب ) فيما تمثله هذه الإرادة من إشكالية في معانيها وفي مضامينها وفي سياقاتها السياسية المبهمة والخادعة باعاء أطرافها " تمثيل إرادة الشعب ورغباته " , إذ سرعان ما تتكشف الخلافات والأفكار المتنوعة والمواقف المتعددة من مرحلة ما بعد انقضاء مرحلة الحكم الذي أطاحت به" القوى الشعبية " بحراكها الغاضب .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد