دور الإعلام المحلي في مقاومة فيروس الانحدار الاجتماعي

mainThumb

07-02-2012 01:39 PM

ليس من السهل أن يسكب شخص على جسده "غالونا" من الكاز ليحرق نفسه، فتنفيذ هذا الفعل يحتاج لشجاعة كبيرة، برغم أن التفكير به يعد هروبا للمجهول، حتى وإن كان الدافع ظلما وقع على الشخص المقدم على الانتحار أو معاناة ألمت به.
 
وقد يكون الشخص مصابا بداء نفسي يدفعه لإيذاء نفسه أو أفراد أسرته.
 
وتدخل وسائل الإعلام غير المهتمة بالجوانب الاجتماعية والإنسانية كأحد الأسباب التي ولدت هذا النوع من الأفعال لكونها موجهة حكوميا ولم تأخذ في الاعتبار معاناة المواطن وغلب عليها الطابع الربحي والانشغال بالتطور السياسي وجمع الإعلان والدفاع عن رموز السلطة، كذلك على المستوى التثقيفي والإرشادي لم تسهم بشكل مبرمج في تزويد الجمهور بالمعرفة اللازمة لتخطي المحن الاجتماعية أو النفسية، لتحول دون وقوع مآسي مجتمعية.
 
كما وقد يسهم الإعلام الكاذب من خلال الفبركة بزيادة ألم ومأساة مواطن مسكين عندما يتناقض محتوى الرسالة مع حقيقة ما يتطلع إليه وقد يستغل الإعلام عنصري الإجرام والوحشية التي تقع في بعض البلدان لتحقيق مزيد من الكسب الجماهيري وإن كان على حساب ترك صورة ذهنية سوداوية في ذهن المواطن. كما قد يسهم الإعلام غير الآبه بحياة الناس العادية ومعاناتهم اليومية بتعفن الجرح الاجتماعي الأمر الذي يؤدي إلى ضرب بنية الدولة بأكملها.
 
فهذا التهميش للعنصر الإنساني والاجتماعي من قبل وسائل الإعلام المحلية وعدم تخصيص مساحات وافية لمعالجة الهم اليومي للمواطن سبب انقطاعا عميقا ما بين واقع المواطنين المرير وصاحب القرار الأمر الذي تسبب في اتساع رقعة العنف وخلق فجوة من وحي التغييب والتهميش تكرست مع الوقت وتحولت إلى إحباط جرى التعبير عنه من خلال النزول للشارع.
 
والأصل في هذه الوسائل الاتصالية أن ترسم شكلا فعليا للقاع وما فوقه لكي نتفادى أي هزة اجتماعية تقليدية، وأن تبادر إلى تغليب معالجة آلام المواطنين قبل الاهتمام بمساحات الإعلان وأن لا تقتصر في عملها على النقل التقليدي وتقفز إلى أدوار احترافية تصل لمستوى الرقابة على التنفيذ وآلية تعاطي الجهات المعنية مع ما يتم طرحه من موضوعات اجتماعية وإنسانية مختلفة.
 
ومما دعا إلى تغيير دفة إدارة الإعلام مؤخرا في الأردن والانتقال من إعلام تنموي تابع للدولة لديه ديباجات في الكتابة والبث الإذاعي والتلفزيوني لا تعبأ بهم المواطن، تلك الثورة في عالم الاتصال التي أحدثها الإنترنت وما رافقه من ثورة في عالم الخبر الإلكتروني وبروز منافسين تمكنوا من الاستحواذ على المشاهد والقارئ في كل الدول العربية، وسهولة الحصول على المعلومة وتصاعد وتيرة التغيير الجذري في البلاد العربية.
 
هذه الصحوة الإعلامية التي شهدناها مؤخرا في الأردن على مستوى إعلام الدولة جاءت متأخرة، حاول فيها الإعلام المحلي تقليد ما تنتجه وسائل الإعلام المحترفة على نحو متواضع، حيث تركز معظم وسائل الإعلام المحلية العامة والخاصة في الوقت الحاضر بتفاوت على إبراز النقاط السوداء في المجتمع للعمل على معالجتها، إلا أنها لم تنتهج بفرعيها حتى هذه اللحظة دورا مكملا لما بدأته ويتمثل بممارسة الضغط وتركيزه أحيانا وصولا للحقيقة وعرضها للمواطن الذي فقد الثقة بمعظم الجهات الرقابية.
 
الانتحار فعل شنيع لا ينقاد إليه إلا يائس، وبإمكان الإعلام المحلي أن يضع خطة محترفة تتضمن كل ما يلزم من معرفة وممارسات تحول دون حدوث هذا النوع من المآسي الاجتماعية، آخذة في الاعتبار التخصص والدقة والمصداقية والموضوعية وقياس الرأي العام ورجع الصدى، وإحياء أهم أشكال العمل الإعلامي ممثلا بالتحقيق والاستقصاء الصحفي الذي من شأنه تفادي تكرار الأخطاء والكشف عن الفاسدين، وأن لا تنسخ بعضها بعضا وتنزوي داخل غرف الأستوديو ومكاتب التحرير مكتفية بما يرد إليها من مشاركات جماهيرية وملاحظات تصنعها المستجدات عبر الهواتف المحمولة.
 
على ضفة موازية فإن وسائل الإعلام وبقدر ما تأخذه من شرعية في تضميد الهمّ المجتمعي فإنها تنتزع هذه الشرعية أيضا بما تحققه من نماء للفرد، لذلك يتحتم إلى جانب تركيزها على مفاصل الحياة الاجتماعية للمواطن، أن تسعى جاهدة إلى فرد مساحات تحتضن الإبداع والعبقرية وتسهم في إبرازها، لأن الإبداع بنظري كائن حي إن تم قمعه ودفنه فسينقلب إلى سخط وسلوك عدواني وأحيانا إلى مأساة.
 
نتمنى على معظم القنوات التلفزيونية الأردنية المنتشرة في الفضاء الأردني، الاستعانة بخبرات إعلامية متخصصة من شأنها تنظيم عملها الإعلامي الذي بات في دائرة الروتين والتقليد وممارسات الهواة في الأغلب، للظهور بصورة بناءة ترضي المشاهد وتقدم له المعلومة في قالب معاصر وتحاكي لديه روح التعاطي معها بشكل يسهم في إصلاح المجتمع وتعزيز حرية الفرد والجماعات في التعبير عن الرأي دون محاباة لكي يبقى جسم الوطن نظيفا من الداخل.
 
وبتحليل بسيط فإن إمبراطورية الجزيرة الإعلامية لم تصنعها الدنانير والتكنولوجيا بالدرجة الأولى، بل صنعها ومكنها من الحضور في كل منزل ما تضمه من فرق وخبرات إعلامية محترفة وقديرة لديها باع طويل في العمل الإعلامي بمختلف أشكاله، تم انتقاؤها على أساس الكفاءة والاحترافية، ونأمل وجود مثل هذه الإمكانات والخبرات في قلب ماكينة الإعلام المحلي مع احترامي لكل إعلامي متميز في أدائه وبرنامجه.
 
شيء آخر مهم يأتي مصاحبا للتخصص والكفاءة ويتعلق بوجود رسالة إعلامية للوسيلة الإعلامية وإيمان أن هذه الرسالة لا بد أن تحقق أهدافها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد