كل عام وأنتم بخير

mainThumb

27-10-2012 03:57 PM

 راجَ سوقُها في الأمسِ، وَصدحَ أنينُها اليوم، وَستروقُ لنا في الغدِ، هي مَنظومةٌ اجتماعيّة برّاقة بحروفها، نَبَضت بِها القلوب وَتفنَّنَ الإنسُ في مُناطَقتها بينَ القريبِ وَالغريبِ، والعَجبُ أنّها باتَت حِكراً في أعيادِنا، وَأكثرَ دوراناً عَلى الألسنةِ وَأشيعَ على الأسماعِ، لكنّها بِحُدودٍ ضيّقةٍ. 

 

بِرَبِّكُمْ يا سادة، ما آلُ دَمِنا، نَستَحضِرُ أخلاقَنا بينَ تحويلٍ وَتبديلٍ في طِباعِنا، بينَ طَمسِ وَتحريفٍ في أَنفسنا لحظةَ حُضور اليوم الأَكبر فقطِ (عيد الفطر- عيد الأضحى)، فيكونُ باطِلاً إِزاءَ صورةِ الحقّ وَكينونَةِ الذّاتِ.
 
بِربّكِم... ما إِنْ هَمَّ رَمَضانَ بِالدُّخولِ إِلا وَراجَ عَبَقُ الفاروق فينا، وَما إِنْ وَشَى الغِيابُ بِهِ إلا وَتَنَفّسْنا الجاهِليّةَ وَعَشِقْنا الجَواريَ. 
 
بِرَبّكم... ما إنْ حضرَ العيدُ مُكبّرينَ باسِمينَ إلا وهذّبنا الروحَ وأبصرنا الحِكمةَ بِوفاءٍ وَنقاءٍ، وإنْ جَلا وَغابَ عنِ البَصيرةِ بُعِثنا من جَديدٍ إلى أسلحتِنا الكَلاميّة وَمزامير الشيطانِ وَشهواتِنا الباطِلة. 
 
 هذا، وَلمْ تَسلَم المَنْظومَةُ مِنْ شوائِبِ التّحضّرِ وآفاتِ التّلوّثِ، صَدَحت بأركانها وَرَكائنها حدّاً زَمنيّاً ليسَ إِلاّ، وَأصدقنا فيها النّوايا، وَأطربنا فيها الوالدينِ وَالأقارب وَالأصدقاء وَالمِلَل الأخرى بحدود زمنيّةٍ معدودة، وَتِلكَ حقيقة لا تَحتاجُ إلى مَزيد بيان.
 
وَحسبُنا أن نَلفِتَ الأَنْظار لِما يَكنف هذِه العِبارة -"كُلُّ عامٍ وَأَنْتم بِخير"- من ذوقٍ عالٍ وَمَرامٍ راقيةٍ، وَبكلّ صدقٍ هي عُنوانُ المَشرِقِ وَالقانون النّفيس لأهل الفَضلِ، وَهي الوسيلة الكَلامية والروحيّة الّتي تستقرّ في أيامِ أعيادِنا.
 
وَالمرجوّ مِنّا وَمِنْكُم: كُلّ يومٍ ولحظاتنا تُباركُ باسمِ اللهِ، كل بُرهةٍ ونحنُ إلى فُضلى الأخلاقِ أقرب، وإلى الصدقِ وَتمامِ الوعدِ أوفى، وَإلى عَنْونَةِ أيامنا بِالصّبرِ وَالرّحمةِ أزهى، كُلّ عام والبسمة عنوان شفاهنا، والكلمة الطيّبة وسامُ وجوهنا، كُلّ عامٍ وَالفرح وَالطّيبة وَحُسْن الخلق وَصفاء النوايا وَصحو الضمير وَصحة البدن أَبْقى وَألصقُ بِنا.
 
وَأخيراً، أسأل الله العظيم أن يبارك لنا ولكم في أعيادنا وكل أيامنا، وأن يعيد علينا هذه المناسبة وقد تحسنت أخلاقنا في قيادة السيارات، وأصبحنا أكثر تراحماً وَصبراً وَصدقاً فيما بيننا، وآلت نوايانا للحسن لا لسوءِ الظنّ، وأصبح حبُّ العلم وَحُبُّ العمل من أولى أولوياتنا، وَأصبحت نظافة الشوارع جزءاً من مفهوم نظافة منازلنا، وَأقول: الأُمَّةُ المَجيدَةُ هِيَ مَنْ ارْتَسَمَت لِنَفْسِها العَزْفَ عَلى أَوْتارِ الخُلُقِ وَالعِلْمِ وَالدّينِ وَعَدم أَكْلِ مالِ اليَتيمِ.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد