ماذا بعد خطاب العرش
خطاب العرش السامي الذي افتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة العشرين، كان بمثابة محطة وعي واشتباك إيجابي مع الزمن الوطني، وضع أمام الدولة ومؤسساتها مرآة حقيقية للمساءلة والاتجاه. فالمضامين التي حملها الخطاب تتجاوز السرد إلى الفعل، وتتعدى التحفيز إلى التكليف، إذ أعلن جلالته بوضوح أن "زمن التردد انتهى، وأن الأردن لا يملك رفاهية الوقت ولا مساحة للتراخي".
هذا التوصيف الملكي الدقيق يختصر فلسفة مرحلة كاملة من التفكير السياسي الأردني، الذي لم يعد يقبل الانتظار أو التباطؤ، لأن التحديات لا تنتظر، والفرص حين تضيع لا تعود. لذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه على النخب، قبل سواها، هو: ماذا بعد خطاب العرش؟
السؤال في جوهره ليس عن مضمون ما قيل، بل عن إرادة ما يجب أن يُفعل. فالكلمات الملكية وضعت خريطة الطريق، لكن عبور الجسر نحو المستقبل مرهون بمدى قدرة الدولة على ترجمة الرؤية إلى منجز، والمنجز إلى ثقة، والثقة إلى استقرار مستدام.
حين يُعيد جلالة الملك تعريف وظيفة الخطاب الملكي، فإنه يحوّل النص من منصة افتتاحية إلى وثيقة إلزامية ذات بُعد استراتيجي. فهو خطاب يعلن عن مرحلة تنفيذ، لا عن موسم احتفال. وبهذا المعنى، فإن كل مؤسسة، وكل مسؤول، بات معنيا بأن يقرأ الخطاب بعيون المستقبل لا بعين القراءة التقليدية.
فالكلمة في فلسفة الملك هي فعل، والموقف التوجيهي هو أمر مباشر بالعمل، وليس تذكيرا بالمبادئ. لذلك فإن خطاب العرش جاء ليقيس النبض المؤسسي للدولة، ويختبر جدية المؤسسات في الانتقال من مربع التفكير إلى مربع التنفيذ.
فحين يقول جلالته: “لا نملك رفاهية الوقت”، فهو لا يُطلق استعارة بل يعلن إنذارا مبكرا. فالوقت اليوم هو رأس مال الدول التي تنجح، والبطء في التنفيذ أصبح نوعا من الفشل المقنّع.
الأردن اليوم في لحظة اختبار حقيقية: اختبار الكفاءة، والقدرة، والجرأة على اتخاذ القرار. فالتحدي لم يعد في وضع الخطط، بل في تحويلها إلى واقع ملموس يقيسه المواطن في مستوى الخدمات، والتعليم، والصحة، والنقل، وسوق العمل وغيرها.
الخطاب الملكي أعاد التذكير بأن الإصلاح لم يعد مشروعا مؤجلا، بل ضرورة وجودية، وأن التحديث الشامل، بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية، هو مسار مصيري لا يحتمل العودة إلى الوراء.
لقد وجّه جلالته في خطابه رسالة دقيقة إلى مجلس الأمة، بأن المرحلة المقبلة للتشريع الرشيد. فالإرادة الملكية أرادت أن يكون البرلمان فاعلا لا مراقبا فقط، ومبادرا.
ولذلك، فإن مجلس الأمة اليوم أمام مسؤولية مضاعفة: أن يُعيد الاعتبار للعمل الحزبي البرامجي بوصفه بوابة للإصلاح السياسي الحقيقي، وأن يُحوّل التشريع من أداة لإدارة الواقع إلى أداة لتغييره.
كما أن المطلوب من النخب البرلمانية أن تخرج من دائرة المواقف التكتيكية إلى فضاء التفكير الاستراتيجي، وأن تدرك أن المعارضة الوطنية ليست خصومة، بل صمام توازن، وأن الولاء الحقيقي للوطن لا يكون إلا بولاءٍ للفكرة المؤسسية.
أما على مستوى السلطة التنفيذية، فإن الخطاب الملكي حمّلها مسؤولية الإنجاز النوعي لا الكمي، والنتائج لا التقارير. فالمطلوب ليس إدارة الملفات، بل قيادة التحول.
فحين يقول جلالة الملك بوضوح إن "على الحكومة الاستمرار في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي"، فهو لا يدعوها إلى متابعة شكلية، بل إلى مواجهة شجاعة مع الذات والواقع.
إن ترجمة هذه الرؤية تستلزم إرادة سياسية واقتصادية متماسكة، تخلق بيئة استثمارية جاذبة، تقاوم البيروقراطية، وتكسر الجمود الإداري الذي كبّل مؤسساتنا لعقود.
فالملك، في جوهر رؤيته، لا يتحدث عن اقتصاد أرقام، بل عن اقتصاد كرامة، ينعكس أثره على المواطن في معيشته اليومية. كما أن تطوير القطاع العام ليس ترفا تنظيميا، بل هو معركة وعي ضد البيروقراطية، وضد ثقافة “الوظيفة” لصالح ثقافة “الخدمة العامة”.
كما لم يكن موقف جلالة الملك من القضية الفلسطينية تفصيلا في خطاب العرش، بل جوهره الأخلاقي والوجداني. فحين يقول جلالته إن الأردن "سيبقى إلى جانب أشقائه في فلسطين بكل إمكانياته"، فإنه لا يقدّم موقفا دبلوماسيا، بل يعبّر عن هوية سياسية ثابتة، ترى في العدالة لفلسطين ركنا من أركان الشرعية الهاشمية التاريخية.
الحديث عن غزة لم يكن من باب التعاطف، بل من باب الالتزام. فالأردن الرسمي والشعبي يعيش مأساة غزة كجزء من ضميره الجمعي، لأن الإنسان في فكر جلالته هو جوهر السياسة، وليس ضحيتها. وفي هذا السياق، يبرز الدور الأردني الثابت في حماية القدس والمقدسات تحت الوصاية الهاشمية، باعتبارها أمانة تاريخية لا تخضع للمساومة أو المزايدة.
إن الأردن الذي وقف صامدا وسط الإقليم الملتهب، لم يفعل ذلك صدفة أو حظا، بل بفضل توازن دقيق بين الأمن والسياسة. فالخطاب الملكي أعاد التأكيد أن الجيش العربي والأجهزة الأمنية ليسوا أدوات ضبط، بل صناع استقرار، ودرع الوعي الجمعي للأردنيين.
وحين يتحدث جلالته عن "الأردني الذي يشد الظهر"، فهو يربط بين الأمن الوطني والأمن الوجداني، ويعيد تعريف الانتماء بوصفه وعيا ومسؤولية، لا شعورا عابرا.
لقد كان النداء الملكي للمواطنين ذروة الخطاب، حين وصفهم جلالته بأنهم “حملة العزيمة”. فهذه العبارة تجسد رؤية فلسفية ترى في الإنسان الأردني رأس مال الدولة الحقيقي، لذا المطلوب اليوم من المواطن أن يتحول من متلقٍ إلى شريك، من ناقد إلى مبادر، ومن متفرج إلى مساهم. فالأردن لا يُبنى من فوق، بل من جميع الاتجاهات. وهنا تكمن روح المرحلة: أن يصبح الانتماء فعل إنتاج لا مجرد انفعال وجداني.
خلاصة القول إن خطاب العرش هي دعوة مفتوحة إلى "إعادة هندسة العقل الإداري والسياسي" للدولة. وأن تتحرر النخب من ذهنية التلقي وأن تمارس التفكير النقدي البنّاء، وأن تدرك أن الولاء للقيادة لا ينفصل عن الإخلاص للمنهج الوطني في الفعل والتطبيق. أما المؤسسات، فعليها أن تعي أن الزمن أصبح محددا، وأن من لا ينجز يُستبدل بمن ينجز، لأن الأردن لا يملك ترف الانتظار.
فخطاب العرش لم يكن خاتمة مرحلة، بل بداية مسؤولية، وهو دعوة لأن تتحول الدولة من "حالة إدارة" إلى "حالة ريادة"، وأن تتجاوز النخب مساحة التنظير إلى ميدان الإنجاز.
مرحلة ما بعد خطاب العرش ليس مرحلة تحليل، بل مرحلة تحويل؛ تحويل الرؤية إلى منهج، والمنهج إلى ممارسة، والممارسة إلى إنجازٍ، فمن هنا تبدأ مسؤولية كل أردنيٍّ مؤمن بأن الانتماء لا يُقاس بالكلمات، بل بما يُنجَز في ميدان الفعل.
قطر: حماس مستعدة للتخلي عن الحكم في غزة
ارتفاع أسعار الذهب محليًا في التسعيرة الثالثة
القاضي يلتقي رئيسي المجلس القضائي وهيئة النزاهة
تمويل مشروع لتحسين رعاية الأمراض المزمنة بالزرقاء
تسوية 1291 قضية بين مكلفين ودائرة ضريبة الدخل والمبيعات
ارتفاع تاريخي لأسعار زيت الزيتون في الأردن .. تفاصيل
بدء التسجيل لامتحان الشامل للدورة الشتوية
ترامب وشي سيلتقيان صباح الخميس في كوريا الجنوبية
وفاة 421 بغزة بسبب سوء التغذية في 2025
كيفية تحقيق النقلة النوعية في كرة القدم الأردنية
خصومات على الضرائب والرسوم وإعفاء من الغرامات قبل 31 كانون الأول
مدير الأمن العام: انخفاض لافت في أعداد وفيات الحوادث المرورية
الاتحاد الآسيوي للكراتيه يشيد بتحضيرات استضافة الأردن لبطولة آسيا
بعد وفاته المفاجئة .. من هو نصير العمري
هذا ما سيحدث بقطاع السيارات بعد 1-11-2025
مدعوون للامتحان التنافسي والمقابلات الشخصية .. أسماء
مخالفات سير جديدة سيتم رصدها إلكترونياً
مدعوون للتعيين في الصحة .. أسماء
ارتفاع إجمالي الدين العام للأردن
وزير الخارجية يجري مباحثات موسعة مع كاسيس
زيت شائع يدعم المناعة .. وآخر يهددها
وثائق رسمية تكشف مبادرة نجاح المساعيد بالطلاق
تعهد بـ 50 ألف دينار لمرتكب هذه المخالفة

