سلامة الدولة بين هيبة القانون وخيبة المواطن

mainThumb

27-04-2014 09:08 PM

مناسبتان لافتتان للانتباه تزامنتا في هذه الأيام، الأولى أحداث مؤسفة في مدينة النخوة والإباء، إنها معان التي نحبّ ونعتزّ، إنها المدينة التي أنعم بها التاريخ على الأردن، فمنها وبها كان ميلاد هذا الوطن أرضا وقيادة، هذه هي معان التي تحتضنها الصحراء وتعشقها، فأعطت أهلها الحرص والحذر، أو هي التي تحتضن الصحراء فأعطتها شموخ الجباه وصفاء القلوب، فأصبحت مرتفعا سياسيا وتاريخيا وأخلاقيا  في الوطن، نعم هي مدينة معان التي علمتنا أن المرتفعات الطبيعية لها ما يقابلها في الوجدان والسياسة والعقل! فكان أن تعلّمنا صغارا وما زلنا نتعلّم كبارا أن نعمة الظلّ في الصحراء لا تقل مكانة عن نعمة القصور والزهور والصقور ولا  عن نعمة الأودية والحقول والأقبية. معان بصحرائها هي إيقاع الروح التي تفهم معنى الجلال للوطن الأردني. وأنت تنطلق عبر الطريق الصحراوي باتجاه معان تملأ نفسك وروحك هذه الرهبة من جلال الصحراء، فتتسع روحك الضيقة، ويتحرّر عقلك المحاصر من زحمة المدن وضجيجها وصخب طرقاتها، بل ومن زحمة هوائها الذي تبحث عنه فلا تجده إلا بعد جهد ومشقة، وكأنّ الحصول على الهواء أصبح بحاجة إلى اجتماع الحكومة ومراكز النفوذ فيها.

كادت معان أن تنسيني الحديث عن المناسبة الثانية، وهل هناك ما هو أجدر من معان أن تأخذك في الهوى كل مأخذ! قبل أن أنسى مرة أخرى، المناسبة الثانية هي تصريح لرئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور الذي نحترم ونجلّ بصدق، وأظنّ أن التصريح صدر عنه في زيارة له لمحافظة المفرق، وجاء فيه أن الحكومة لن تسكت على أي قضية فساد شريطة الأدلّة الكافية. ونحن نعلم أن هذا واحد من تصريحات كثيرة له حول وأد الفساد، أو لنقل بذل الجهود لمحاصرته، لا يشكّك أحد أبدا في صدق الرجل ولكني أعلم ودولته يعلم، أن إمكانات بلدنا الاقتصادية المتواضعة لا تسمح له بالتصدّي للفساد بحزم، فمنشأ الفساد يا دولة الرئيس لم يأت بقرار من هنا أو هناك، وإنما كان منشؤه تراجع هيبة المواطن أمام المسؤول، وهذا ما سمح للفساد أن يتغوّل عليّ أنا المواطن وعليك أنت يا رئيس الوزراء، فإذا أردت أن تمسك بالفساد؛ عليك أن تعيد للمواطن هيبته أمام كبار المسؤولين جميعا. ومن حقّك عليّ أنا المواطن أن تسألني كيف ذلك، وأنت العالم بالجواب، لأنك ابن تراب هذا الوطن مثلي أنا المواطن. فالمسؤول، أيا كان موقعه يا دولة الرئيس، إذا ما أحسّ بأن هيبة الدولة وهيبة القانون هي من هيبة المواطن، بل دعني أحلم وأقول إن هيبة الدولة والقانون تتراجعان في الداخل وفي الخارج كلما تراجعت هيبة المواطن عند المسؤول ايّا كان لونه وونوع الهواء الذي يدخل رئتيه، فنحن جميعا نتنفّس هواء واحدا ذا مكوّنات كيميائية واحدة، ونشرب ماء بمكوّنات واحدة، ستقول لا خلاف على هذا، ولكني أقول لا، إننا نختلف كثيرا. والدليل على ذلك فرضية بسيطة، وهي أنه تأتيك رسائل كثيرة من مواطنين بسطاء مثلي ومثل غالبية إخوتي المواطنين، أقول تأتيك رسائل شكاوي كثيرة، فهل يطلعك عليها موظفوك يا دولة الرئيس، بل هل تسمع بها أصلا، إني على ثقة لو علمت بها لدفعنك العاطفة الوطنية لاتّخاذ إجراء ما أو لكلفت أحد للنظر فيما يأتيك.، فأنت ابن بارّ لوطنك ولعشيرتك الأردنية الكبيرة.

وحتى تتأكّد بأني أقول صدقا، أذكر بأن شاهدت النائب هند الفايز مع مواطنين كثر، وأدهشني اهتمامها بهم جميعا، فقد سمعت لهم واحدا واحد بدون ملل أبدا، ولفت انتباهي أن قضية ما عرضت عليها، فكانت لأحد خريجي جامعة اليرموك  منذ سبع سنوات – قسم الصحافة والإعلام، وكانت القضية تدور أن بعض من تخرّجوا مع هذا الشابّ، وبعضهم تخرّج بعده، و قد جرى تعيينهم في إحدى المؤسسات الرسمية، أمّا هذا الشابّ المتعثّر الحظ فلم يحظ بشيء، وبالفعل هاتفت النائب هند الفايز مدير المؤسسة الرسمية، وقالت له لماذا لا تعطيه حقّه، وهو أخ لخمسة إخوان جامعيين، ولما قال لها صاحب الشأن إن هذا المدير لا يفي بوعوده، وهم جميعا بدون عمل! ووعدها، ولكنه لم يوف أبدا! إذا، الفساد أن المسؤول لا يهاب المواطن، فبالتالي؛ لم يعد أحد يهتمّ بشأنه، وهذا ما شجّع الفساد أن ينمو ويشتدّ عوده، فصعب على المخلصين من المسؤولين بداءا منك يار ئيس الوزراء أن ينجحوا في وأد الفساد ومحاصرته. وقل الشيء نفسه في فرض القانون وهيبته، فهيبة القانون من هيبة الدولة، لكن هذه الأمور كلها في النهاية هي من هيبة المواطن، فالعلاقة بين هيبة الدولة والقانون هي علاقة جدلية، فأي تقدّم في جانب يعني تقدّما في الجانب اآخر، والعكس صحيح أيضا. فنحن جميعا متساوون بحكم الدستور متساوون أمام القانون، ولكن هل تصل أصواتنا جميعا إلى القانون بالدرجة نفسها؟ رحم الله عمر بن الخطاب، فقد كان يقول لو عثرت شاة في العراق لخشيت أن يحاسب الله عليها عمر!

 نحن جميعا مع فرض هيبة الدولة وفرض القانون ، نحن جميعا ضدّ أي إخلال بالأمن وسلامة الوطن، ومن أكبر حقوق الوطن علينا أن نحافظ على أمنه وسلامته، لكن من حق الوطن على الحكومة أن تفرض أيضا هيبة المواطن على المسؤولين، بأن تهيّئ للمواطنين تطبيق تكافوء الفرص وتحقيقه ليشعر المواطن أن لا أحد يمكن له أن يستغلّ منصبه أو موقعه، وهنا، وهنا فقط يصبح المواطن منتجا للقانون لا مستهلكا!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد