لقد أمرنا الله تعالى أن نعتبر من تجاربنا و من تجارب الأمم السالفة و الحاضرة في مواضع كثيرة من كتابه الكريم ، و إن من أخصرها عبارة قوله تعالى في الآية الثانية من سورة الحشر : ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) .
و إن في رابعة و أخواتها في سائر البلاد المسلمة الثائرة عبر عظيمة و عظات جليلة ، بيد أنها تحتاج أن نبصرها فوق أن رأيناها حتى نستفيد منها في التأسيس لربيعين عربي و إسلامي حقيقيّين ، و حتّى يخف عن قلوبنا لفح قيظها و اكتئاب خريفها و زمهرير شتائها إلى أن يحلّ الرّبيع .
و أنّ ممّا ينبغي أن يسجّل على إثر رابعة و أخواتها في بلدان الرّبيع العربيّ قضايا :
أولاً :
لقد أثبتت رابعة و أثبت الرّبيع العربي أن الأمة حية ، و إن اعترتها الآفات ، و متماسكة و إن أوجعتها النكبات ، و أنها - و هذا أمر في غاية الأهميّة - ما استسلمت للجبارين و أدواتهم .
ثانياً :
و هذا هو الأمر الأعظم أهمية ؛ أن ثورات الربيع العربي و ثورة رابعة هي ثورات إسلامية مؤمنة تطلب رضاء اللّه ، أي أنها أثبتت أن الديانة للّه على الطريقة الإسلامية هي المحرك الأساس للثورات و لعموم مناشط الناس على ما عندهم من تخليط .
ثالثا :
أثبتت رابعة و الثورات التي أراد أهلها أن تجلب لهم ربيعهم أن قوى الغرب القاهرة المتحالفة بقيادة أمريكا لا تريد أن يكون لهم ربيع ، و أسقطت هذه الثورات المباركة قناع النفاق الغربي الذي سوق على شعوبنا أنه مع تحررنا من حكم أنظمة الاستبداد ، و أنه مع نهضة أمتنا ؛ إذ تلكأ في تأييد هذه الثورات في بداياتها ، و لمّا انتصر بعضها دعم الثورات المضادة و باركها بلسان الحال ، بل كان متآمرا و مستعدا على مختلف الصعد لهدم هكذا ثورات .
رابعاً :
إصرار قوى الاستكبار تلك على قمع نهضتنا و تعطيل قومتنا برغم تغاضيها عن نهوض و ازدهار بلدان أخرى في أرجاء الأرض إنّما يدلّ على أنّ الأمة الإسلامية المؤمنة ؛ و في القلب منها أمة العرب هي حاملة المشروع الحضاري المنافس الوحيد للحضارة الغربية المادّية الملحدة . و إنها تحاربها لئلا تقوم لها قائمة .
خامساً :
أثبتت رابعة وأخواتها و في ظل السيطرة الشاملة الخانقة للعدو أننا لم نتهيأ بعد للانتصار ، و أن بناء الجهاد العام الشامل ما اكتمل بعد .
سادساً : كما أثبتت رابعة و أخواتها أنّ من قتل النفس و من إشقاء الأمة الاستمرار في معارك خاسرة ما كلّفنا اللّه بها ، قال تعالى : و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .
سابعاً : و أثبتت أن مهادنة العدو الغاشم و مداراته لدفع شره أرفق بالأمة و أحكم ، فمقارنة بأيام السيسي ؛ رحم الله أيّام مبارك !
أخيراً ؛ فلا بدّ من التأكيد أن العمل على هدنة أمر واقع أو صلح يخفف الضرر تؤمن فيه حريات الناس و يكفل فيه تعبدهم و تحفظ معائشهم هو أمر ضروري ضرورة الحياة عند من يبصر ، و أنها ما تعني المهادنة تضييعا لواجب الجهاد ؛ فما الجهاد المواجهة السياسية أو المسلحة عينها ؛ بل هي صورة من صور كثيرة يتكون منها الجهاد ، فكل عمل خير للصالح العام هو جهاد إن ابتغي به وجه الله .
أمّا الظلمة من أعداء الأمة الداخليين و الخارجيين فإن الله ممهلمهم غير مهمل إيّاهم ، و إنه سبحانه سينصرنا عليهم إن استوفينا شروط النّصر ، فلنجاهد في العمل على ذلك الاستيفاء ، و من أوله بناء الإنسان الصالح فالمجتمع الصالح حتى يأذن اللّه بتهيئة أسباب النصر و التمكين .