‏ قطار بلا رأس‎

mainThumb

20-04-2016 08:26 AM

محطة القطار تعج بالحركة، قطارات تروح وقطارات تذهب، ‏بعضها حديث فاره، وبعضها قديم لكنه يسير على أية حال، ‏الا قطارا واحدأ متوقفا منذ زمن لا يبارح مكانه، صدئت ‏سكته و " كربجت" عجلاته.. عرباته تحتجز خلقا كثيرا، ‏يصارعون الزمن، ليدفعوا عربتهم وتسير مثلها مثل باقي ‏القطارات في المحطة، لكن دون جدوى.‏
 
كان ضجيجهم عاليا داخل كل عربة، منهم من كان غاضبا ‏رافعا صوته، ليجعل كبير العربة يسمعهم ويفعل شيئا يدفع ‏عربتهم على السكة ليصلوا وجهتهم.. والكثير منهم من كان ‏غاضبا من غضب الغاضبين، لأنهم يزعجون كبير العربة ‏وحاشيته، وأنهم يعطلون المسيرة، ويؤثرون على حركة ‏القطار الذي يرون أنه يمخر عباب الفضاء ويطوي ‏الصحاري ويجوب المفاوز سائرا بالاتجاه الصحيح تحدوه ‏رؤية الكبير وحكمته وذكاؤه الذي قل نظيره!!!‏
 
خرجت مجموعة من كل عربة لتستطلع الأمر، هل كان ‏القطار سائرا بحكمة الكبير أم هو متوقف وما الحركة التي ‏يحسونها الا حركتهم هم واهتزازهم هو الذي يهز العربة ‏المتوقفة، أم أن الكبير وحاشيته يكذبون عليهم ويضللونهم ‏ويقتلون مستقبلهم!!.‏
 
‏ لم تبذل الفرق الخارجة من العربات جهدا كبيرا لمعرفة أن ‏العربات متوقفة، وكلما ابتعدت تلك الفرق عن ذلك القطار ‏المنكوب اتضحت لها الرؤية وانكشف لها الواقع، واذا ‏بالقطار من أول عربة الى آخر عربة متوقف تماما، وأن ‏العربات تقف على السكة بلا حراك الا من اهتزاز بين الفينة ‏والأخرى ناتج عن حركة الركاب، وأن الركاب الذين يرون ‏القطارات الأخرى لا تسير من حولهم وهم وحدهم السائرون، ‏أصابهم الزيغ في النظر، وتأثروا بالتنويم المغناطيسي الذي ‏مارسه الكبير عليهم في كل عربة حتى ظنوا أن القطارات ‏التي تمر مسرعة بجانبهم هي في الحقيقة متوقفة، وهم ‏السائرون، وأنهم في نعمة يحسدهم عليها ركاب القطارات ‏الأخرى، الذين يعيشون في وهم أنهم سائرون دون أن يدركوا ‏حقيقتهم المرة بأنهم جالسون صامتون لا يتحركون ولا ‏يصخبون ولا يهتفون ويغنون لكبير عرباتهم، وهؤلاء البلهاء ‏الصامتون حتما أن كبيرهم لا يحفزهم ولا يرعى صراخهم ‏المدوي، وقد لا يسيرون في الاتجاه الصحيح.‏
 
أما هم فرغم المحن والظروف الصعبة والمنحنيات المفاجئة، ‏يسيرون في الاتجاه الصحيح على هدي من كبيرهم صاحب ‏الزمان، المطلع على أسرارهم ، وصاحب الرؤية التي ‏تستشرف المستقبل وتزوى له الكرة الأرضية حتى يرى ما ‏يحصل في كل جانب منها وهو في مكانه! ويوظف كل هذه ‏الحكمة في وضع عربتهم على الطريق القويم، ويسير بها الى ‏محطتها الموعودة بثقة وثبات، حتى لو طال السفر وتأخر ‏الوصول قرونا.‏
 
أما ما ينعق به الناعقون، ويتحدث به المرجفون الحاقدون، ‏والمارقون الظلاميون، من أن العربة متوقفة ما هو الا هراء ‏وحقد ينفث سمومه كل موتور أعماه الحقد والانتقام.‏
 
زوى أحد الخارجين من العربات بنظره كل العربات، حاول ‏أن يكتشف سبب توقفها عن المسير، فلم يفلح، فاتجه الى ‏مقدمة القطار لعله يحفز القائد على الانطلاق، تعثر كثيرا في ‏طريقه وعندما وصل صعق من هول المفاجأة فالقطار بلا ‏رأس، وليس له محرك، لم يجده مكانه وليس له أثر، القطار ‏عربات فقط بلا رأس.‏
 
سأل أحدهم وهو كالمذعور، عن سر هذا الأمر الخطير، ‏أجاب باقتضاب، إن رأس هذا القطار صادره أسياد المحطة ‏منذ زمن!!‏
 
‏-         لكن من هؤلاء الذين يجلسون مع الناس في كل عربة ‏يوهمونهم أنهم قادة كل عربة وأن العربات تسير وسوف ‏يصلون الى وجهتهم قريبا؟
 
‏-         قال المسؤول وهو لا يستطيع كتم قهقهته، انهم ‏مهرجون يعملون مع أسياد المحطة وضعوهم كي يعطلوا ‏الناس ويمنعوهم من الشغب على أسياد المحطة.‏
 
عاد الرائد الى العربات ونادى بأعلى صوته، أنتم متوقفون، ‏المهرجون يضللونكم ، اقتلوهم افعلوا شيئا.. لكن كانت ‏صرخته في واد سحيق، فركاب العربات مشغولون بالهتاف ‏والغناء للمعجزة التي أمامهم، ولا يستمعون لأصوات ‏الخارجين من العربات.‏


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد