الرأي العام في المجتمع يقول إن مجلس النواب لا يؤدي دوره الذي وجد من أجله، حتى ولا يعمل كمؤسسة تابعة لدولة، و كما هو سائد هو يحقق مصالح فئات بعينها في الدولة ، ويمارس دوره التشريعي او الرقابي، لأسباب تتعلق بالنمط السائد في المجتمع والذي صنعته الدولة، فهو بهذا الشكل يصلح لهذه الحالة، وإن تعداها الى دوره الحقيقي فإن ثلثي أفراده غير مؤهلين للتشريع ولا الرقابة ولا حتى التكلم في أمور العامة !!
إذن ما الذي يحدث حتى يتحمس الناس للانتخابات بعد كل ما يلاقونه من ظلم وتعسف من الحكومات، وابتعاد مجلس النواب عن دوره، بل يعمل عكس ما يريده الرأي العام؟!
هناك نمطية للمجتمع تعتمد على الواسطة والمحسوبية وتصنع أنصابا في المجتمع يلجأ اليها الناس من جور الحكومات وتعديها على البسطاء وهم يلتقطون عيشهم من الأرض، هذا النمط أظهر فئة تدفع بنفسها أو تدفعها أذرع النظام لتمثل هذا الدور، وفئة أخرى تدفعها حاجة الناس حولها ليقوموا بقضاء حوائجهم أمام هذا الغياب الكامل للمؤسسية والقانون الذي جعل الحاجة ملحة للالتفاف حول شخص تقدمه العشيرة أو التجمع السكاني أو التقسيم الاداري ليكون الواسطة التي تنجز حاجات الناس وتمثلهم أمام النظام، وتتكلم باسهم أمام الحكومات، تبصم باسمهم .....وتكون ظهرا لهم تحميهم "فرديا " من تغول الحكومة.
هذا النمط المصنوع عمدا القاتل للتقدم والصانع للعبودية، شوه المجتمع وأخرج جماعات لا يطيقها المجتمع ولكنه مضطر لها! لأن المسؤول الحكومي الكبير لا يقبل من مواطن كلاما إلا اذا قدم له هذا التمثال، فتسابق الكثير من الباحثين عن دور ليمثلوا هذا النمط، فترى "الثوب الأبيض والعباءة الشقراء والعقال الصغير والهيئة الجادة"، أو "البدلة وربطة العنق" تكثر في مجتمعاتنا وتتقبلها المجتمعات على مضض، لأنها تعرف حقيقتها، ومضطرة لهذا الشكل حتى تجاري المجتمع بعلاقته مع الدولة..
فمع تنحية القانون واحتياج الناس الى من يقود الجاهات للعطوة أو للصلح أو غيره لأن الناس أصبحوا يأخذون حقوقهم من بعضهم بأيديهم، وهذا يتطلب جاهات ترتب كيفية الخروج من هذه المشاكل وحلها بطريقة (إخفِ الجمرَ بشيء من رماد ولو مؤقتا)..
وكذلك يحتاج الناس أمام هذا التنامي للمحسوبية وتضخيم الـ"أنا" لأشخاص يقودون هذه الجاهات ويتواصلون من اقطاب الدولة المتقاعدين ليظهروا هذا الشخص وعائلته للحظات أنه مهم وأنه في نفسه كبير يصلح أن يعيش في هذا النمط المجتمعي المرهق..!!
ولذلك فحاجتهم أكبر الى نائب، فالنائب دوره كبير في هذا النمط !! النائب تحتاجه الحكومة لتمرير قوانين أو صفقات فتحقق له بعض مطالبه المتعلقة فقط ببعض حاجات الناس، فكلما كان النائب مطيعا للحكومة كان طلبه -غير المتعلق بالتشريع والسياسة- مجابا، لذلك يتسابق المترشحون ليقدموا أنفسهم على هذا الأساس، فيكثر حضورهم للجاهات، ومراجعتهم لدوائر الدولة، وتسجيل حضورهم عند أي مشكلة ليقدم نفسه، - وكلما سمع هيعة طار اليها-، وهذا الشكل هو المطلوب للعامة الذين يقبلون على الانتخابات، وكذلك يبتعد الناس عن أي مترشح يحاول أن يعيد الدولة الى مسارها الصحيح ويكون نائبا للشعب يدافع عن مصالحه بمجمله ويحاول ان يبني دولة لا" شق عرب"!! دولة مؤسسات لا فوضى العبي والجاهات، ولا يقصر خدماته على فئة دون أخرى، ليحقق منظومة الفساد في المجتمع.
وعلى هذا فقد نجحت الدولة في تفريق الناس حسب مصالحهم الضيقة عن طريق هذا النمط، فالفرد اذا حقق مصلحته من الدولة صفق لها!! واذا لم يحقق مصلحته جلدها.. فها هي تقرّب وتبعّد.. وتعرف من تقرب ومن تبعد، وكيف تفرق الناس ليسود الفساد...