قرأت كثيرا مما كتب عن الاستقلال، ورأيت كيف تحمس الكثير من الكتاب وتحدثوا عن النعمة التي تنعم بها البلاد ورغد العيش الذي يرفل به المواطن، والتقدم اللافت الذي نحياه.
أنا كمواطن عادي لم أقتنع بأي شيء قرأته، ولم يؤثر عليّ الكم الهائل من المقالات التي أمطرتنا بها الصحف الرسمية، لأني ببساطة أعيش واقعا ألقى بجرانه، لا يستطيع الكلام إزاحته، ولا تنفع معه رُقى ولا تمائم، ولن يحسّن هذا الواقع سجع الكهان، فما بالي بخيالات ساذجة.
من خلال قراءتي هذه، وجدت اتجاهات الكتاب على مسارين:
الأول شخص يشغل منصبا في الدولة، ويرى أن من واجب وظيفته أن يتتبع المناسبات التي تهم الدولة، ويكتب فيها حتى تكون له وجاء من العتب والغضب والريبة. فتكون كتابته مزيجا بين التاريخ الجامد المنحاز والتزلف الحاسر.
أما المسار الثاني فتمثله مجموعة من المتطلعين للتقرب إلى الدولة ولفت نظرها إليهم لتستخدمه في وقت ما، وتتسم كتابة هؤلاء بالخيال المجنح الذي تمليه رغبته الجامحة للحصول على رضا الدولة ورضا المراقبين لما يكتب، وأخذه بعين الاعتبار إذا أرادوا أن يبحثوا عن مسؤولين ليشغلوا وظائف مستقبلا.
الخيال الذي يسيطر على هؤلاء من الصنفين، بعيد كل البعد عن الوطن وإنما يحوم حول واقع الشخص الذي يكتب وما يتوقع أن يحصل عليه إن هو نال الرضا وحاز على القبول.
لذلك تجد في كتابة هذه الفئات قفزات خيالية تصل حد المتافيزيقيا _خارج حدود الطبيعة _ ناتجة عن فرط توقعاته الكبيرة لما سيصير عليه حاله بعد هذا المقال المرصود، فتوقعاته المتضخمة أنه سيعيش في الجنة جراء ما قال، ولذلك يخلع توقعاته على البلاد كلها، والنتيجة أنتم تعيشون في الجنة.
لذلك لن تجد كلاما موضوعيا فيما يتعلق بالجانب الشخصي، أو فيما يتعلق بالغرائز ، ولا نستطيع أن نسمي الأماني تحليلا لهذا الحدث. وإنما كلها انطباعات شخصية سيطر عليها الطمع والشره الذي يتكور حول الذات ويمنعها من رؤية شيء غير ما تراه النفس.
لم يبحث هؤلاء الوضع الاقتصادي ولا المديونية ولا البطالة ولا اهتراء البنية التحتية، ولا تراجع المؤسسات لأنهم لم يكتبوا عن وطن بل كتبوا عن شخصهم وما يريدون أن يحققوا لأنفسهم، ولو تعارضت مصلحته الشخصية مع مصلحة الوطن، لقاتل الوطن وأمعن في هدمه.
لا نقول ذلك حبا في الانتقاد، ولكن هذا السلوك لا ينفع الوطن، ولا يصب في تقدمه، بل يصنع العكس يربط الجرح على فساد..حتى يتفاقم المرض ولا يعود الدواء ممكنا. وهذه الحملة الخيالية كل مواطن يعرف انها مجرد كلام، ولا يقدم على قراءة هذه المقالات، لكن الدولة تعتبرها رأيا عاما وتقدم نفسها للعالم على أساسها، وأنها تسير في الطريق الصحيح.. والمواطن المسكين هو من يدفع الثمن.!!