عودة أبو الفتح الاسكندري

mainThumb

04-01-2017 10:29 AM

 أبو الفتح الاسكندري، هو بطل مقامات بديع الزمان الهمذاني، ودارت أحداث هذه المقامات حول وسائل أبي الفتح للحصول على المال بالخداع و"الكيدية" أي التسول والاحتيال على الناس.

 
ويقال إن أبا الفتح ترك هذه الأساليب في البحث عن المال، وترك الاحتيال والتسول وعاد رجلا ملتزما للصلاة والزكاة وفعل الخيرات.
 
يقول عيسى بن هشام راوي تلك المقامات: إن أبا الفتح انقطعت أخباره وما عاد يرى، ولم يسمع بأخبار النصب والاحتيال التي تصدر عنه في الآونة الأخيرة، وكأنه اعتزل حياة الناس وتنسك ولزم محلته فلا يخرج منها.
 
يقول ابن هشام: إنه وفي احدى جولاته في البلاد العربية، التي أصبحت منفصلة ومغلقة على أهلها، ألجأته صلاة الجمعة الى مسجد متوسط في بلدة صغيرة من قرى بدو الأردن، وحين دخله كان يغص بالناس، أدرك أنه هو الغريب الوحيد في هذا المسجد، لأنه رأى الرقاب اشرأبت اليه والوجوه تفحصته، فور دخوله المسجد.
 
يقول: صليت ركعتين على استعجال إذ كان الخطيب قد هم بالصعود الى المنبر، وحين فرغتُ من الصلاة جلست لأستمع للخطيب، كان جهوري الصوت عظيم الجثة ذا لحية كثة، تحتها وجه مدور مكتنز، يكلم الناس بقوة؛ يتوعدهم ويقرعهم بصوت ترتج له أركان المسجد، وهم صامتون مطأطئو الرؤوس يغشاهم النعاس، لولا صوت الإمام الذي يفزعهم بين الفينة والأخرى.
 
... حدثهم عن الصلاة ومدى تقصيرهم بها، وعن الزكاة وكيف أنهم تركوها من أجل الدنيا بخلا وحرصا، ونسوا أخوانهم الفقراء، الذين لا يجدون قوت يومهم، وكان يهدر هدرا!! تحدث كثيرا... شرق وغرب وأجدب وانتجع حتى سألنا الله أن يصمت.
 
ثم قام الشيخ بالدعاء.. فلم يترك أحدا من الدعاء له أو عليه؛ حتى أتى الى أولياء أمور المسلمين، فدعا لهم بالصلاح والهداية والرشد..
 
 يقول ابن هشام: عند ذلك سمعنا من أقصى يمين المسجد صوت " هجيني" ينتشر في أرجاء المسجد!! إلفتت وإذا برجل يلبس " شماغا أحمر" لفه على وجهه ولم تظهر الا عيناه، يرفع صوته بهذا الحُداء البدوي، فأكلته العيون، واستقبلته الوجوه ، وانقسم الناس بين ضاحك ومستنكر، والخطيب يناديه: اصمت اصمت، أفسدت صلاتك وصلاة الناس.
 
 فتوجه أحد الملتحين اليه، ليخرجه أو ليثبته، فترك الصلاة وخرج من المسجد مسرعا!! فتبعته خارج المسجد وكان عجلا فأمسكته من منكبه فتوقف. فنظرت في عينيه وكأنني رأيت هاتين العينين! فقلت بالله عليك إلا أمطت اللثام عن وجهك. فأماطه وإذا به شيخنا "أبو الفتح الاسكندري" الذي لم تغيره الأيام، ففرحت به فرحا شديداً، إذ أني لم أتوقع لقاءه.
 
  فقلت له مستنكرا ما حملك على هذا؟ قال: هذا الشيخ السمين الذي ينسى ما نحن فيه من ضنك وفاقة وحكومات سراقة، ويعتلي منبرا فوق رؤوس هؤلاء الفقراء المعدمين ويأمرهم بالزكاة التي لا يعرفونها ولا يملكون عشر نصابها. فقلت: ولماذا اعترضت بالهجيني؟! قال هكذا هم البدو إذا لم يعجبهم شيء أو استنكروه يرفعون صوتهم بهذا الحداء لينفسوا هذا الكُرب!!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد