الدجال والحشود‎

mainThumb

10-01-2017 02:31 PM

 حدثنا عيسى بن هشام قال: دهشت دهشة شديدة عندما رأيت المدن الحديثة، ووسائل الراحة التي تنتشر بها، وتصفحت وجوه الناس المسفرة تظهر عليها الراحة والنعمة، فتذكرت حياتنا السابقة وشظفها والمصاعب التي كنا نكابدها في كل شيء في المسكن والتنقل والسفر.

 
وأكثر ما أدهشني تلك النافذة السوداء التي اذا ضغطت زراً بها انفتحت على العالم، فتريك كل شيء، تنقل لك أحوال الناس ونشاطاتهم، سلمهم وحربهم،  احتفالاتهم وأحزانهم.
 
يقول ابن هشام: فجلست أوصل الليل بالنهار، ولا أبدل الأطمار، مقعيا أمام هذا التلفاز، كأنني تمثال، مرت عليه الأجيال، بلا حراك، وهو لا يكف عن عرض الاحتفالات، وصنوف الغانيات، حتى ظننت أني أعيش داخل هذه النافذة الراحبة، والليالي الصاخبة.
 
وفيما أنا على ذلك، اذ ظهر شخص أمام الجماهير، يعتلي منصة عالية، يكلم الناس، ويضرب أخماسا بأسداس، والناس به معجبون، ولشخصه مكبرون، يزجي لهم أحجية، فيعلو منهم المكاء والتصدية، وقبل أن ينهي كلامه ويلوذ بجنابه، يفتح كيسا لم أرَ مثله عِظما وشكلا، ويبدأ بجمع ما في أيدي الناس من أموال عينية، وأوراق نقدية، وما حازت أكف البائسين من ذهب وفضة، ومن شربة ولقمة، حتى اذا امتلأ كيسه وتعجّر، وفرح بما تجّر، ربطه وألقاه الى حاشيته، ولوح للناس، وغادر دون أن يترك شيئا في الأساس، والناس يتعاركون أيهم يفوز منه بنظرة أو يحضى منه بلمسة، الى أن يغيب عن العيون ويسافر الى حياة الترف والمجون. فيعود الناس متعبون، أفئدتهم هواء، ولا يحملون الا الخواء.
 
فقلت في نفسي إن هذه  الأساليب أعرفها، وكأني حزرت صاحبها وتلاوينه، ولولا زجاج هذه النافذة لأمسكت بتلابيبه، وأخبرت الناس بحاله و وفضحت أسحاره، وحذرت الناس من أشراره،  التي أرهقت الناس وقيدتهم بأمراس ووطأتهم بالمداس، وما زلت أتفرس هذا الصعلوك الذي جمع الصكوك، ودار وطار بها كالمكوك، أحزره مرة و أنكره مرة!!  وقبل أن يغادر المنصة التفت الى الوراء فرحا بما قدم من هراء وما حاز من ثراء، فتفرست في جبهته إذ أنكرت هيئته، فاذا هي جبهة أبي الفتح، التي لا تخطئها ذاكرتي وإن تقمص شكل أهل هذا الزمان. فاسترجعت وحوقلت وقلت: من شب على شيء شاب عليه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد