بدايات الشعر الحر ّ و دوافع ظهوره

mainThumb

22-04-2020 08:37 AM

السوسنة - اتخذ الشعر الحر مسميات عديدة ، من أشهرها : الشعر الحديث ، والشعر الجديد ،وشعر التفعيلة . و هو ظاهرة شعرية حديثة كان لها دوافعها الاجتماعية .
بدايات الشعر الحرّ
عام 1921 نشرت جريدة العراق قصيدة لشاعر لم يجرؤ بإعلان اسمه ، و إنما وقع القصيدة ب " ب . ن " تحت عنوان " النظم الطليق " . و قد أوردها الدكتور أحمد مطلوب فيما بعد في كتابه " النقد الأدبي الحديث في العراق " بعنوان " بعد موتي" ، و هذا النص يعد أقدم نص من الشعر الحرّ .

اقرأ أيضا:قصة المثل الشعبي .. الي بدري بدري والي ما بدري بقول كف عدس

و تلى ذلك قصائد حرة معدودة نشرت في المجلات الأدبية و الصحف و الكتب منذ 1932 م ، و لأسماء غير قليلة ، من هذه الأسماء : علي أحمد باكثير ، و لويس عوض ، محمود حسن إسماعيل ، و عرار شاعر الأردن ، و بديع حقي غيرهم .
لكن هناك شروط يجب توفرها لكي نعد قصيدة ما هي بداية حركة شعرية ما ، و من هذه الشروط :
أولا : أن يقدم الشاعر قصيدته مع دعوة للشعراء باستعمال هذا اللون في جرأة و ثقة ، شارحا الأساسات العروضية و غيرها لما يدعو إليه .
ثانيا : أن يكون لدعوته صدى بعيدا لدى النقاد و القراء . فتناقش هذه الدعوة بمقالات عديدة .
ثالثا : أن يستجيب الشعراء للدعوة و ذلك باستعمال اللون الشعري الجديد استعمالا واسعا يمتد إلى الوطن العربي كله .

اقرأ أيضا:أمثال عامة قيلت في الزواج

و وفقا لهذه الشروط فإن القصائد المنشورة على الشعر الحر قبل عام 1974 لا تشكل بداية حقيقية للشعر الحر .
و من ثم فإن البداية الحقيقية لحركة الشعر الحر كانت سنة 1947 ، في بغداد ، ثم امتدت هذه الحركة إلى الوطن العربي كله . و كانت البداية بقصيدة الكوليرا على وزن المتدارك . لنازك الملائكة نظمتها يوم 27 – 10 -1947 م نشرتها في مجلة العروبة في بيروت في عددها الصادر في أول كانون الأول عام 1947 م . تقول فيها :
طلع الفجر
أصغ إلى وقع خطى الماشين
في صمت الفجر ، أصغ ، انظر ركب الباكين
عشرة أموات، عشرونا
لا تحص ، أصخ للباكينا
اسمع صوت الطفل المسكين
موتى ، موتى ضا العدد
موتى ، موتى لم يبق غد
و في النصف الثاني من الشهر نفسه صدر ديوان بدر شاكر السياب " أزهار ذابلة " و فيه قصيدة حرّة الوزن له من بحر الرمل عنوانها " هل كان حبّا ، و فيها يقول :
هل تسمين الذي ألقى هياما ؟
أم جنونا بالأماني ؟ أم غراما ؟
ما يكون الحب ؟ نوحا و ابتساما ؟
أم خفوق الأضلع الحرى إذا حان التلاقي
بين عينينيا فأطرقت فرارا باشتياقي
عن سماء ليس تسقيني إذا ما
جئتها مستسقيا إلا أواما
و قد علق على حاشيتها أنها من الشعر مختلف الأوزان والقوافي .
و في سنة 1949 م صدر ديوان " شظايا ورماد " لنازك الملائكة ، الذي ضم مجموعة من القصائد الحرة ، و قامت ضجة شديدة و مناقشات حامية في صحف العراق و الأوساط الأدبية حوله عند صدوره ، و تنبأ الكثيرون بالفشل الأكيد لهذه التجربة .
لكن بعد شهور بدأت الدعوة تنمو و تتسع . و ظهرت تجارب أخرى لشعراء شباب يافعين في الصحف .
و في عام 1950 صدرت ثلاثة دواوين ينظم شعراؤها قصائدهم على الشعر الحر ، و هي على التوالي :
1- الديوان الأول للشاعر عبد الوهاب البياتي بعنوان " ملائكة و شياطين " و فيه قصائدة حرة الوزن .
2- ديوان " المساء الأخير " لشاذل طاقة .
3 - ديوان " أساطير" لبدر شاكر السياب .
و بعد ذلك تتالت الدواوين التي تنظم قصائدها على الشعر الحر .

اقرأ أيضا:أشهر الأمثال الشعبية العراقية

و كانت لحركة الشعر الحر ظروف معرقلة فالشعر الحر كأية حركة جديدة في ميادين الفكر و الحضارة ليس من المعقول أن تبدأ ناضجة . و ليس من المعقول ألا تحارب .

مزايا الشعر الحرّ .
حرية الوزن تسهل على الشاعر مهمة التعبير ، و تهيئ له جوا موسيقيا جاهزا . و الشاعر إلى جانب ذلك ليس مضطرا لأن يتمسك باستقلال البيت من ناحية المعنى ، فلم يعد التضمين عيبا في الشعر الحر . بل إن الشعر الحر يعمد إلى تحطيم استقلال الشطر تحطيما كاملا ، و الشاعر حر يقف حيث يشاء .
لكن هذه الميزات هي في الوقت ذاته مزالق قد يقع فيها الشاعر و في ظلها قد يكتب الشاعر أحيانا كلاما غثا مفككا دون أن ينتبه ؛ لأن موسيقية الوزن و انسيابه يخدعانه و يخفيان العيوب .
بحور الشعر الحر
بحور الشعر الحرّ هي البحورالصافية ، و هي ثمانية : الكامل ، و الهزج ، و الرمل ، و الرجز ، و المتدارك ، و المتقارب ، و الوافر ، و السريع .
عيوب الوزن الحر :
يقتصر الشعر الحر بالضرورة على مجموعة من بحور الشعر العربي الستة عشر . و في هذا تضييق لإبداع الشاعر .
يرتكز الشعر الحر على تفعيلة واحدة .مما قد يسبب رتابة مملة ، لا سيما إذا أراد الشاعر الإطالة في قصيدته .
العوامل الاجتماعية لظهور الشعر الحر :
أ‌- النزوع إلى الواقع : إن القيود التي تضيق آفاق الأوزان القديمة تبدو للشاعر المعاصر مجرد ترف و تبديد للطاقة الفكرية في شكليات لا نفع لها ، في حين يتيح الشعر الحر للشاعر أن يهرب من الأجواء الرومانسية إلى جو الحقيقة الواقعية .
ب‌- الحنين إلى الاستقلال : شخصية الشاعر الحديث تتميز عن الشاعر القديم و لذلك لا بد له من قالب شعري جديد يبدع فيه و يستوحيه من حاجات العصر .
ج-إيثار المضمون : يتجه الشاعر المعاصر إلى العناية بالمضمون و التخلص من القشور الخارجية. و قد كانت حركة الشعر الحر أحد أشكال هذا التوجه لأنه في جوهره ثورة على الخضوع للشكل في الشعر .

المرجع : نازك الملائكة ، قضايا الشعر الحديث

اقرأ أيضا:10 خطوات لفهم الفلسفة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد