لنقف على اكتاف كورونا

mainThumb

02-01-2021 12:47 AM

قال لي مرة رئيسي بالعمل "لنقف على اكتاف كورونا" وكان يقصد امورا" بالعمل ولكن استوقفتني تلك الجملة وباتت تنخر في عقلي أبعد من المقصود حاولت أن أترجم تلك الجملة بخاطره فأدركت أنني أستطيع ترجمتها على واقعنا وخُيّل لي أنه  و بعد  أن أيقن الإنسان، في عزلته المنزلية، أنه لا محالة خاسرٌ ربيع هذا العام، علَّل نفسه بأنّ ذلك أرحم من خسارة ما تبقى من فصولٍ في خريف هذا العمر، والأهم من ذلك أنّ فقدان ربيع النسيم العليل لربيع واحد أهونُ من استجداء الهواء الممتنع عن الرئتين، أو ربما توسّل الموت لينجيه من الاختناق البطيء وحيدًا على سريرٍ في مستشفى ميداني بلا اسم. وتساءل: متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟ ثم مرّت خاطرةٌ بباله: وهل كانت حياتنا التي نتمنّى العودة إليها طبيعية؟ ما الطبيعي في "حياتنا الطبيعية"؟
 
إن التفاصيل الصغيرة في حياتهم التي يعرفونها، ويريدون العودة إليها مرغمين، وبعضهم يتوق إليها، كلٌّ بحسب وضعه: تدبّر أمر العيش، والسعي إلى الرزق، وعناق الأحبة، والتذمّر والشكوى مما يلاقونه في العمل، وفي الطريق منه وإليه، وتحقيق الأهداف على المسار المهني، والفرح بانتصاراتٍ صغيرةٍ في بيئة العمل، ولقاءات الأصدقاء مع الشكوى والتندّر الجماعيين، والأحاديث في السياسة والحياة الاجتماعية والغضب على السياسيين فعلا، أو عادةً لتمرير الوقت، وتدبّر أمر العلاج وأسعار الدواء، والتحرّر من هاجس الخطر المحتمل في الناس والأشياء من حولنا، أو التفكير في إمكانية أننا نشكّل تهديدًا على مَن حولنا من دون أن ندري. حسنًا إذًا؛ ربما يفضّل أن نقول العودة إلى حياتنا التي عرفناها.
 
 
لا ينفصل التفكير في مصير الإنسانية في زمن الوباء عن القلق على الناس الذين تحبهم والتفكير في مصائر من انقطعت الصلة المباشرة بهم.  لم تعُدْ مفاهيم، مثل "الإنسانية" و"العالم" و"البشرية" مفاهيم مجردة. أنت مهتم فعلًا، وعينيًّا، بأحوال كل بلد، القريب والبعيد، أصبحت أرقامه التي تهمّك هي عدد المصابين فيه، وعدد الوفيات، والإجراءات التي يتخذها، وسلوك المجتمعات المختلفة حيال الوباء. وتنهمك في الأرقام وتتابع منحنياتها وتشغل أحاديثك اليومية..
 
في العزل، ننفرد بإنسانيتنا ومخاوفنا وتضامننا مع الآخرين. وننصت إلى أنفسنا التي نكتشف أنها نفوس وأصوات متعدّدة في نفس واحدة. وقد نكتشف في عزلتنا، وربما وحشتنا، عالمًا مزدحمًا فينا؛ من أمكنةٍ، وبشرٍ، وحكاياتٍ، وأزمنة  تتدفق وتتناثر كما في الأحلام، ولحظات بناء علاقات جديدة مع العالم.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد