بيت وحديقة كشفت لنا الحقيقة

mainThumb

21-07-2023 01:17 AM

يقول المثل الياباني القديم لن تستطيع إمساك صغير النمر إذا لم تدخل عرينه أي أنك لن تستطيع السيطرة على أمر ما لم تخض فيه و تقتحمه و تجرب مجابهته بنفسك حتى تتمكن منه كما تريد، و يبدو أن من حضروا اجتماع الكابينت الصهيوني قبل عملية جنين قد اتفقوا على تطبيق هذا المثل بحذافيره ضد أسود كتيبة جنين البواسل و سكان مخيم جنين لعلهم ينهون بذلك صداعاً مزمنا عانى منه الكيان الصهيوني وقادته مرارا و تكرارا طوال السنوات الماضية.

اتفق أعضاء الكابينت المصغر نتنياهو و بن غفير(وزير الأمن الداخلي )و يوآف جالانت (وزير الدفاع) رفقة قائد الجيش الصهيوني (هيرتسي هليفي) و قائد الشاباك(رونين بار)على اسم عملية استئصال المقاومة من جنين و مخيمها فأطلقوا عليها (بيت و حديقة) في دلالة رمزية إلى أن جنين هي بيت المقاومة الرئيسي في الضفة الغربية و أن مخيمها بمساحته التي لا تتجاوز كيلو مترا مربعا واحداً هو الحديقة و التي ينبغي بنظر قادة الاحتلال الصهيوني ان تبقى أرضاً جرداء خالية من أية معالم للعمل المسلح مهما كانت كمية التضحيات التي سيبذلها الصهاينة في سبيل ذلك ،فجنين و مخيمها حفرا في ذاكرة الصهاينة ذكرياتٍ سيئةٍ لا يزال جنود الاحتلال يحسون بريبة في قلوبهم كلما مر على مسمعهم ذكرها أو تم تكليفهم بعملية اقتحام و توغل فيها فهناك الحسابات تختلف و المفاجآت -التي لا يستطيع عملاؤهم و لا حتى مستعربيهم توقعها- مذهلة حقاً بالنسبة لهم فنتائج الدخول لعش الدبابير- كما يسميه المحللون العسكريون لدى الكيان- مفتوحة على مصراعيها و عليه فإن تطور الأحداث المتسارع في بنية المقاومة و ردود فعلها على اقتحامات الجيش الصهيوني لجنين و مخيمها عبر اسقاط عدة طائرات مسيرة و تفجير بضعة عربات بعبوات ناسفة و جرح عدد من الجنود و مقتل عدد آخر خلال السنتين الأخيرتين و بروز نجم كتيبة جنين كأيقونة للمقاومة المسلحة في الضفة الغربية جعل قادة الكيان الصهيوني يقررون تنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد مخيم جنين من أجل اجتثاث المقاومة المسلحة هناك و تدمير الحاضنة الشعبية التي آزرتها على مدار السنين الماضية.

حملة عسكرية غاشمة شنها جيش الاحتلال الصهيوني على مدار يومين بعدد مهول من العتاد و ما يزيد عن ثلاثة آلاف من الجنود تساندهم العربات المصفحة و الآليات و الجرافات و المسيرات و مروحيات الأباتشي استهدفت التدمير و لا شيء سوى التدمير و لكل شيء فعلياً في مخيم جنين ، قتلت و أحرقت و قصفت و نهبت و فجرت كل شيء صادفها في طريقها من بشر و شجر و حجر و منعت سيارات الإسعاف و الأطقم الطبية من الدخول للمخيم و إسعاف الجرحى و نقل المصابين بل و وصل الأمر لاستهداف طواقم الصحفيين و معداتهم المهنية من ميكروفونات و كاميرات حتى لا تظهر الحقيقة المهولة لحجم وحشية الصهاينة أثناء هجومهم العرمرمي الباطش على المخيم و الأمر ليس بمستغرب على جيش الاحتلال الصهيوني فدماء مراسلة الجزيرة الفقيدة شيرين أبو عاقلة لا زالت آثارها على ثرى جنين تأبى أن تجف لتظل شاهدة غب الطلب على قذارة الجيش الذي لا يتورع عناصره عن أي جريمة مهما بلغت دناءتها و بعده عن كل قيم و أخلاقيات الجيوش المحاربة لدى الجيش الذي يزعم زوراً أنه الجيش الأكثر أخلاقية في الشرق الأوسط ،ففي حربهم الشعواء على مخيم جنين قاموا بطرد الأهالي الذين لا ذنب لهم من منازلهم بعد تهديدهم بالقتل و الاغتصاب و السحل و الاعتقال في حال رفضهم ترك بيوتهم كما اعتقلوا عدداً كبيراً من الشيوخ و الأطفال و الشباب و احتجزوا الكثيرين من الجرحى و دخلوا البيوت بنية التخريب فأطلقوا النار على مقتنيات بعض البيوت أثناء تفتيشهم لها و سرقوا حصالات الأطفال الصغار و سرقوا الأجهزة المحمولة و النقالة و المبالغ المالية و المصوغات التي وجدوها أمامهم و لم تسلم منهم حتى عصافير الزينة في بعض البيوت التي اقتحموها بعد تهجير أهلها فدمروا أقفاصها وقاموا بتكسير الكراسي و الطاولات و الأثاث و مختلف الأمتعة التي صادفوها في البيوت المفرغة بالإكراه من أصحابها إضافة لإحراق و تكسير الأبواب و النوافذ و تدمير المزروعات و السيارات و قتل بعض الماشية التي في الزرائب و تخريب و اقتلاع الأسلاك الكهربائية و أنابيب المياه و خطوط الهاتف الأرضي و تجريف الشوارع و حرق المرافق العامة بل و أحرقوا المساجد و دور العبادة هناك في انتهاك صارخ لحرمة بيوت الله ،عدا عن الشهداء الاثني عشر و الجرحى المئة و الخمسون الذين ارتقوا في تلك الحملة الصهيونية المسعورة على المخيم و التي تكاد تطابق ما حصل أثناء غزو التتار لبغداد في قسوة الخراب و الدمار و الهمجية و اقرءوا بالمناسبة كيف اجتاح التتار بغداد و مدى إجرامهم في أهلها و سوف تذهلون من التطابق الشديد بين مجرمي الأمس و اليوم و لا غرابة فهذا ديدن أعداء الله في حقدهم على أهل الإسلام المسالمين على مختلف الأزمنة و العصور مهما كانت ملتهم و أهدافهم .

كان ملفتاً للنظر ما رشح من النزر اليسير عن خسائر جيش الاحتلال بعد انسحابه من المخيم وفق ما سمح به مقص الرقيب العسكري لدى جيش الاحتلال هو مقتل جندي و إصابة آخر و إعطاب آلية ناقلة للجند فقط ليظهر نتنياهو متحدثاً عن العملية عشية مغادرة قواته للمخيم ليتباهى بنجاحها و قدرتها على تحقيق أهدافها و ضربها للمقاومة المتمثلة في كتيبة جنين في مقتل و مطلقاً تحذيراً و وعيداً لجميع الفصائل بتكرارها فور إحساسه بوجوب ذلك.

في خضم هذه الجريمة النكراء رأينا من السواد الأعظم من دول العالم صمتاً مطبقاً و من قلة منها ردود فعل خجولة من شجب و استنكار على استحياء للكارثة الإنسانية في جنين و إدعاء مزعوم من السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني نتيجة لما حصل في جنين ،كما أن بعض الدول العربية و الإسلامية مشكورة تبرعت بالمال لإعادة إعمار المخيم و إصلاح مرافقه المدمرة لكن حجم الدمار و الخراب كبير لا تسد رمقه قليل المبالغ المتبرع بها لمخيم جنين فيما بدأت وفود من المنظمات الإنسانية بزيارة المخيم للاطلاع على آخر صيحات الموضة المتعلقة بإبادة الإنسان لبني جلدته و لتمجيد غطرسة الجنود المحتلين بشكل غير مباشر عند قادتهم من خلال وصف ما حدث بأنه كارثة إنسانية و باعتقادي فإن الكارثة الإنسانية هي المواقف المخزية من معظم دول العالم اتجاه دولة الكيان المحتل حيث كانت عبارات التبرير و الدفاع عن جيشها و تسويغ ما حدث بمثابة العار الذ لن يمحى عن جبين تلك الدول و التي لم تدخر جهداً في نفس الوقت بالتنديد و الشجب و الإدانة للاقتحام الروسي لأراضي أوكرانيا.

كل تلك الأحداث الآنفة الذكر جعلت ما سماه الكيان بعملية بيت و حديقة تكشف لنا جلياً ما يلي:

1ـ جيش الاحتلال الصهيوني عقيدته التخريب و التدمير و التهجير منذ تأسيسه و هو مدرب على ذلك أساساً قبل أي شيء آخر فإجرامه العدواني المفرط ناجم عن تدريبه الممنهج لاقتحام بيوت الفلسطينيين و السطو عليها و تنفيذ عمليات الاغتيال الجبانة بحق المدنيين بكل أساليب الغدر و الخسة التي عرفتها البشرية فهو صنو المافيات و عصابات الجرائم في دول العالم و نسخة ممسوخة عن الجيوش الصليبية الهمجية التي احتلت فلسطين في القرون الثاني عشر و الثالث عشر و الرابع عشر فعن أي أخلاق مقيتة لهذا الجيش الذي ينتسب إليه في جملة من انتسب أبناء السفاح و الزنا من اللقطاء و الشواذ المثليين من كلا الجنسين إضافة إلى مجموعة من أكابر المجرمين و شذاذ الآفاق و المرتزقة الذين اختاروا أن يتمتعوا بارتكاب جرائمهم الوحشية و لكن في لباس عسكري يقيهم جميع التبعات القانونية و المساءلة الدولية حول ما ارتكبوه

2- لله در المقاومة الباسلة في جنين و مخيمها الذي احتضنها و لله در هؤلاء الفتية الشباب الذي لا يتجاوز أكبرهم الثلاثين سنة بالحد الأعلى فهم الذين جعلوا جيشاً عملاقاً مدججاً بما ثقل وزنه و غلا ثمنه من العتاد يجر أذيال الخيبة أثناء خروجه من المخيم بعد أن أوقعوا في صفوفه خسائر لا يعلم مدى فداحتها سوى الله عز و جل فحتى مقص الرقابة العسكرية الذي لم يسمح بنشر أي شيء يتعلق بخسائر جيشه لم يستطع تعتيم الصورة بالمطلق عما جرى لجنوده و هناك صور و مقاطع فيديو تم تسريبها و تداولها عن عدد من الإصابات المحققة التي أوقعها المقاومون في صفوف قوات الاحتلال و رغم الإنكار و التكذيب من قبل إعلام العدو إلا أن بعض محلليه اضطروا للاعتراف بصعوبة العملية و إمكانية حصول خسائر جسيمة في المعدات و الأرواح مما يثبت للجميع علو كعب كتيبة جنين على بساطة سلاحها و قلة مواردها فوق جبروت جيش يصنف أنه الأقوى في الشرق الأوسط و الأعلى و الأحدث تسليحاً في العالم كله ،لكن يشاء المنتقم الجبار جل في علاه أن يرى العالم كله هذا الجيش المحتل يتنكب طريقه في مخيم جنين فلا يفلح إلا في الجريمة بعد أن تجرع مرارة الهزيمة و لتسلم يد المقاومة في جنين و لتسلم كل يد شريفة احتضنتها من أهالي جنين البواسل.

3ـ معظم قادة العالم الأول الذي نعيش فيه اليوم أوغاد ظلمة لا دين و لا شرف و لا أخلاق لديهم و إن أقسموا جهد أيمانهم بعكس ذلك و حتى مع تلميع الإعلام لأفعالهم و نفاق العبيد و المرتزقة و التابعين الأوفياء لشخوصهم فإن عملية بيت و حقيقة كشفت عن قذارتهم و خستهم و أنهم سبب لهلاك الكثير من البشرية بدلاً من أن يكونوا سبباً في استقرارها بل و خلقوا آلات إعلامية متخصصة في نشر الفتن و قلب الحقائق و التدليس على الناس و لم يخجلوا من ازدواجية معاييرهم و عنصريتهم القذرة فهم يجأرون ليل نهار عبر إعلامهم لقضية أوكرانيا و قسوة روسيا عليها لكنهم لم يبالوا بمجزرة مخيم جنين المنقولة للعالم بالصوت و الصورة و لم يهتز لهم جفن بما حدث من طرد و تهجير على الهواء مباشرة في اختزال لنكبة 1948 و نكسة 1967 أمام سمع و بصر العالم كله و كأنهم أرادوا لمن لم يشهدهما عياناً أن يراهما و يعايشهما بكافة التفاصيل ليتركوا الشعب الفلسطيني الأعزل وحده أمام آلة القتل و الدمار الصهيونية في ظل صمت مطبق من هذا العالم القميء الذي يرى القذى في عين روسيا المحتلة لأوكرانيا و لا يرى خشبة الصهاينة الذين فتكوا بالشعب الفلسطيني و استباحوا دمه و هدموا مقدساته أمام عينيه فلكم الله يا شعب فلسطين اتجاه عالم غربي حقير صامت بمزاجه عن قضيتكم ولو قطعتم إرباً فلن يرأف بحالكم و لن يقف في صفكم بل سيساند عدوكم ضدكم و لن يرحمكم أبداً .
4- من يظن أن الكيان الصهيوني كان وحيداً في حربه ضد مخيم جنين فهو إما جاهل لا يدرك الأحداث أو منافق مراوغ مستفيد من الصمت عن حقيقة أن السلطة الفلسطينية تقاعست عن دورها و خانت مخيم جنين و أهله و مقاومته و كان يجب أن يحاكم عباس و اشتية بتهمة التقاعس عن أداء الواجب اتجاه محافظة فلسطينية تعرض مخيمها لهجمة شرسة حاقدة و لم يتم إطلاق رصاصة واحدة من فوهة بنادق السلطة ، و أما محور المماتعة (الممانعة سابقاً)فقد كان أجبن و أوهن من أن يرد أي أحد فيه على مجزرة جنين فنرجو من أعضائه ألا يتعبوا أنفسهم بتصريحاتهم الجوفاء حول القضية فقد عرفنا البئر و غطاءه وكما يقال بالعامية حارتنا ضيقة وعارفين بعض، و أما دول التطبيع والانهزامية فلا أخلف الله عليكم و على من يشد على أياديكم و جعل الله صمتكم عن ما حصل في مخيم جنين باباً تلجون منه إلى نار الدنيا و الآخرة فمن ارتضى الذل أمام عدوه فعيب عليه أن يبحث عن العزة و يطلبها أمام المستضعفين من شعبه و لا شك أن الله سيزيدكم ذلاً لذلكم و بؤساً فوق بؤسكم و ستذهب جهودكم المزعومة في حل القضية أدراج الرياح لأن الله لا و لن يصلح عمل المفسدين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد