وثائق عن بعض أمراء المؤمنين

mainThumb

09-08-2023 01:14 AM

عام 591 هجرية، كانت موقعة (الأرك) الفاصلة، بين ملك الإفرنج المتغطرس ألفونسو الثامن، الذي بعث لأمير المؤمنين أبو يوسف المنصور، رسالة شديدة اللهجة يتحداه فيها، فمزق الرسالة، وكتب على ظهر قطعة منها، الآية الكريمة: (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون) – ثم أتبعها ببيت الشعر هذا:ولا كتب إلا المشرفية عنده ولا رسل إلا الخميس العرمرم

واشتد حنق أبو يوسف وأخذته غيرة الإسلام، وأمر أن يذاع الخطاب في جنود الموحدين؛ ليثير غيرتهم، وضج الناس وصاحوا بطلب الانتقام، وأجمعوا على المطالبة بالإسراع في إعلان الجهاد، ودوت صيحة الجهاد في جميع أنحاء المغرب من مدينة (سلا) على المحيط الأطلسي حتى (برقة) شرقاً على حدود مصر، وسيّر أبو يوسف جميع قواته إلى الأندلس، وتجهز ألفونسو الثامن للقاء الجيش الإسلامي، وأمده ملكا ليون وناره.

وقال المنصور لخاصته: جددوا نياتكم وأحضروا قلوبكم، واشتد وطيس المعركة، واستشهد البطل أبو يحيى القائد العام وهو يقاتل بمنتهى البسالة، واعتقد الإفرنج أن النصر قد لاح، بعد أن تضعضع قلب الجيش الإسلامي.

وهجم ابن صناديد بقواته على قلب الجيش القشتالي، ثم زحف بعد ذلك زعيم الموحدين، واستمرت المعركة على اضطرامها المروع، وأرجاء المكان تدوي بوقع حوافر الخيل، وقرع الطبول، وأصوات الأبواق، وصلصلة السلاح، وصياح الجند، وفرت فلول جيش ألفونسو، وتساقط معظم قليلة استطاعت أن تنجو، وأن تقتاد الملك بعيداً عن الميدان، وأن تنقذ بذلك حياته.

وكانت خسائر الإفرنج في هذه المعركة العظيمة (مائة وستة وأربعين ألف قتيل، وأسر 30 ألفاً، وغنم من الخيام 150000 خيمة، والخيل 80000، والبغال 100000، والحمير 400000، و60000 درع، وأما الدواب على اختلاف أنواعها، فلم يحصر لها عدد.

وأذيع نبأ النصر من منابر المساجد في كل مكان: ونجا ألفونسو ملك الإفرنج، ولجأ إلى طليطلة في أسوأ حال، فحلق رأسه ولحيته، ولا ينام في الفراش، ولا يقرب النساء، ولا يركب فرساً ولا دابة، حتى يأخذ بالثأر، وصار يجمع من الجزر والبلاد البعيدة ويستعد، ثم لقيه يعقوب وهزمه، وساقه إلى طليطلة، وحاصرها وضربها بالمجانيق، وضيق عليها، وأخيراً جاءت المنصور رسل ألفونسو سنة 592هـ بطلب الصلح فصالحه، وفيه يقول الشاعر:أهل بأن يسعى إليه ويرتجى ويزار من أقصى البلاد على الرجا

من قد غدا بالمكرمات مقلدا وموشحاً ومختماً ومتوجا

عمرت مقامات الملوك بذكره وتعطرت منه الرياح تأرجا



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد