قصة هذا المدرّب وفريقه

mainThumb

02-04-2025 02:21 AM

قصة هذا المدرب مع هذا الفريق عجيبة حقا.
حين اختاره الناس عام 2019 ليخلف المدرب المتوفى، كانت الآمال المعلّقة عليه عريضة للغاية فالرجل مختلف في كل شيء ومتشبع تماما بكرة القدم، كيف لا وقد درسها ودرّسها لعقود.
لم تمض فترة طويلة حتى دبّت المشاكل بينه وبين بعض عناصر الفريق وهيئته المديرة، التي لم يكن الجمهور أصلا مرتاحا لها. لم يتأخر المدرّب في التصرّف فقد سارع، بحل تلك الهيئة المديرة وطرد كل اللاعبين، موحيا بأن ذلك كفيل بوضع حد لتعثر الفريق ونتائجه الهزيلة. لم تقف الأمور هنا فقام أيضا بإرساء قانون أساسي جديد للفريق صاغه بنفسه، ثم نظّم انتخابات لـ «هيئة أحباء» ترأسها أكثرهم طاعة وولاء له لتحل محلّ الهيئة المنحلّة، مستفيدا في كل ذلك من حالة عجز أصابت من كانوا يوصفون بالأندية العريقة في الدوري وأنصارها حين التزم جميعهم الصمت المتواطئ.
حين انتهت مدة عقد المدرّب، طمع البعض في خلافته لكنه كان استحلى المنصب ولهذا اغتاظ بشدة فقامت هيئة الانتخابات، التي كان هو من عيّن أعضاءها، بإقصاء أغلبهم. وحين عاند بعضهم الآخر وتمسك بالمضي قدما في الترشح لم يترّدد المدرّب في التعاون مع القضاء والشرطة فرمى بأحدهم في السجن. رغم ذلك، لم يرتدع البقية فقام بتعديل قانون الانتخاب، وحين أراد بعضهم اللجوء إلى المحكمة الإدارية للطعن في ذلك أبطلت «هيئة الأحباء» مسعاهم.
ظلت نتائج الفريق في تدهور مستمر، واتضح للجميع أن المدرّب يفتقر لبرنامج عمل، كما أن اللاعبين الذين يختارهم ليسوا في المستوى المطلوب، بدنيا وفنيا. لم تعرف تشكيلة الفريق أي استقرار فقد كان يزيح السيئ ويعوّضه بالأسوأ، الذي بدوره لا يعمر طويلا في التشكيلة إذ سرعان ما يستغني عنه دون سبب واضح، بل ويوبّخه علنا أمام الجمهور قبل أن يغادر خط تماس الملعب. هكذا استمر المدرب وحده يقرر ما يريد وكلما اختار مدربا مساعدا، وأحيانا مدربة في خطوة غير معهودة، لا يبقيه طويلا بعد أن كان اصطفاه من بين نكرات لا علاقة لهم بكرة القدم، لا كلاعبين ولا كمدربين.
فوق كل ذلك، كان المدرّب دائم العبوس والتذمّر من الظروف التي حالت دون تألق الفريق: كان يتحجّج مرة بالطقس، ومرة بالحكام المرتشين، ومرة بلوبيات فساد تعمل على إحباط مشاريعه العظيمة. كان يشتكي كذلك من جامعة كرة القدم ومن اتحاد الكرة الإفريقي ومن «الفيفا» بل وصل به الأمر أن اتهم اللاعبين أنفسهم، الذين كان هو من اختارهم بنفسه، بأنهم هم سبب البلاء وصولا لاتهام بعضهم بالفساد والتآمر ضده.
كثيرا ما كان هذا المدرّب يتحدث عن مقاربات جديدة لكرة القدم في بلاده وفي العالم، دون نتائج ملموسة. ومع ذلك لم يراجع يوما خططه، فيما ساءت علاقاته بممولي الفريق التقليديين دون العثور على ممولين جدد. لم يُبق أيا من المستشارين الذين كانوا معه في البداية واستعاض عنهم بأخيه وبعض الهامشيين ممن لا يفقهون كثيرا في عالم الكرة، أما ما نسجه من علاقات شخصية خاصة خارج الدوري المحلي فيفتقر للوضوح والشفافية، كما ازدادت حيرة الناس حول حقيقة الجهة التي تقف وراءه وتجعله بهذا العناد الصارخ.
على عكس كل المدربين في العالم، لم يكن هذا المدرب يعقد مؤتمرات صحافية أو يدلي بمقابلات. وحين رأى أن بعض الصحافيين بالغ في نقد خططه التي أدّت إلى غياب أي تتويج لفّق لهم تهما ورمي بهم في السجن فآثرت البقية السلامة، وهكذا تركت الساحة فارغة إلا من مهرّجين متنكرين في صفة «محللين» و«خبراء».
ما إن شعر المدرب بأن بعض الغيورين على الفريق بدأوا في التنسيق بينهم بحثا عن مخرج لانحداره المتواصل، وما صاحبه من تراجع في عائداته وفي إقبال الناس على حضور مبارياته المتعثرة التي لم تعد تشبه كرة القدم في شيء، سارع إلى اعتقالهم متهما إياهم بالإرهاب والتآمر عليه.
وكلما ازداد الوضع سوءا يخرج المدرب أمام الكاميرات حانقا ومزمجرا، متهما الجميع بالكيد ضد الفريق الذي بدأ في التدحرج من الدوري الممتاز إلى الدرجات السفلى. غابت أيضا مشاركات الفريق العربية والافريقية وتبدد الصيت الدولي الكبير الذي حازه عام 2011، وحلّ محلّه الخوف من حل الفريق وإفلاسه بعد أن انفض الجمهور من حوله لمتابعة دوريات أخرى في الخارج.
هذا الجمهور بدوره مشكلة عصيّة على الفهم بعد أن سلّم أمره لله فالأداء الكارثي لهذا المدرّب لم يدفعه إلى حد الآن إلى الاحتجاج للمطالبة بحتمية التغيير، كما فعل مع مدرب سابق لم يوصل الفريق يوما إلى هذا الدرك إذ لم تكن تذاكر دخول الملعب في عهده بهذا الغلاء الفاحش ولا الفرجة في الملاعب بهذا البؤس.
في العالم كله، في وضع كهذا، يُقال المدرب حتما أو على الأقل يستقيل لكن كليهما غير وارد هنا، فلا وجود في هيكلة النادي الجديدة التي أرساها هذا المدرّب ما يسمح بذلك، ولا هو في وارد أن يقر بأنه فاشل فينسحب بهدوء.
كلمة أخيرة: أي تشابه بين هذه القصة الكروية الحزينة وشخوصها، وما تعيشه تونس محض صدفة لا غير!!

كاتب وإعلامي تونسي



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد