المسؤولية القانونية عن أخطاء الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي

mainThumb

10-08-2025 03:20 PM

شهدت السنوات الأخيرة في الأردن تطوراً ملحوظاً في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، حيث أصبحت هذه الأنظمة تلعب دوراً محورياً في تشخيص الأمراض وتحديد خطط العلاج، مما أسهم في رفع جودة الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإن إدخال الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي أثار تحديات قانونية مهمة، خاصة فيما يتعلق بمسؤولية الأطراف عند وقوع أخطاء أو أضرار للمريض.
في هذا الإطار، يبرز سؤال جوهري حول مدى تطبيق أحكام قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني رقم (25) لسنة 2018 على الأخطاء الناجمة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي. حيث أن القانون المذكور ينظم المسؤولية لمقدمي الرعاية الصحية، ويحدد شروطها، لكنه لا يتناول بشكل صريح استخدام التقنيات الذكية الحديثة، مما يخلق فراغاً تشريعياً في هذا المجال. ويزيد هذا الفراغ التشريعي صعوبة تحديد المسؤولية عند وقوع ضرر، خصوصاً أن أنظمة الذكاء الاصطناعي تتميز بالتعقيد التقني والقدرة على التعلم الذاتي، ما يصعّب تحديد الفاعل الجنائي . كما أن الاعتماد على القواعد العامة في المسؤولية المدنية والجزائية لا يكفي لمواكبة هذه التطورات، ويترك ثغرات قانونية تعيق حماية حقوق المرضى.
بحسب نصوص القانون الأردني، يتحمل مقدمو الخدمة الصحية والمؤسسات الصحية والطبية مسؤولية الأخطاء الطبية التي يرتكبها الأطباء أو الكوادر الصحية، لكن في حالة اعتماد الطبيب على نظام ذكاء اصطناعي، يصبح من الصعب تحديد من هو الفاعل المسؤول: هل الطبيب الذي اتخذ القرار بناءً على توصية النظام؟ أم المطور أو الشركة المنتجة للبرنامج؟ أم المؤسسة التي وفرت النظام دون تدريب كافٍ للكوادر؟ هذا الغموض يعكس عدم شمولية التشريع الأردني الحالي لمثل هذه الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، يعتمد القانون الأردني على المبادئ العامة للمسؤولية المدنية والجزائية، التي تتطلب وجود خطأ وإثبات الضرر وعلاقة السببية بينهما. لكن أنظمة الذكاء الاصطناعي، التي تتسم بالتعلم الذاتي وتعقيد الخوارزميات، قد تصدر قرارات لا يمكن تفسيرها بسهولة (ما يعرف بـ"الصندوق الأسود" التي تعيق تفسير قرارات الذكاء الاصطناعي وبالتالي مساءلة الأطراف، إضافة إلى ظاهرة "الهلوسة" التي تنتج توصيات غير دقيقة قد تضر بالمريض. كذلك، تفرض التطورات التقنية تحديثات تشريعية مستمرة، وصعوبة الفصل بين الخطأ البشري والخلل البرمجي)، مما يعقد عملية إثبات الخطأ وموضع المسؤولية القانونية.
ولذلك، من الضروري تفعيل آليات قانونية جديدة تتناسب مع هذه التطورات، ومنها إدخال تعديلات على قانون المسؤولية الطبية والصحية لسنة 2018 لتعزيز تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، تشمل:
• تعريف الذكاء الاصطناعي طبيًا وقانونيًا عبر إضافة مادة توضح مفهومه والغاية من استخدامه في المجال الطبي.
• تنظيم استخدام الأنظمة المعتمدة من خلال إلزام المؤسسات الصحية باعتماد أنظمة مرخصة تفي بمعايير السلامة والجودة، وفرض معايير صارمة على المطورين لضمان سلامة التصميم والبرمجة، مع إجراء اختبارات دورية.
• تحديد المسؤولية القانونية للأطراف المعنية، حيث يتحمل المطورون والشركات المنتجة المسؤولية المدنية والجنائية عن العيوب أو الإخلال بالمعايير، ويتحمل الأطباء مسؤولية القرار الطبي النهائي، بينما تقع على عاتق المؤسسات الصحية مسؤولية توفير التدريب والرقابة اللازمة.
• وضع قواعد ميسرة لإثبات الخطأ والضرر، مع توفير آليات فنية وتقنية مساندة للمحاكم لتقييم القرارات المعقدة الصادرة عن الذكاء الاصطناعي.
• تعزيز الشفافية والتوثيق، من خلال إلزام مقدمي الرعاية الصحية بتوثيق كل قرار طبي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، بما يتيح مراجعة دقيقة حال وقوع ضرر.
• فرض التأمين على كافة الأطراف (مطورو الأنظمة، المؤسسات الطبية، والأطباء) لضمان تعويضات عادلة وسريعة للمتضررين.
• توفير برامج تدريب مستمرة للعاملين في القطاع الصحي على استخدام هذه الأنظمة، مع التأكيد على حدود الاعتماد عليها وضرورة الدمج مع الخبرة الطبية.
وعلى المستوى الدولي، فإن التشريعات في دول متقدمة مثل الاتحاد الأوروبي اعتمدت قوانين متخصصة تضمنت تصنيف الأنظمة الطبية الذكية ضمن الفئة عالية المخاطر، وفرضت عليها متطلبات صارمة من الشفافية والسلامة، مع توسيع نطاق المسؤولية لتشمل الأشخاص الاعتباريين. كذلك اعتمد مجلس أوروبا اتفاقية إطارية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي بما يراعي حقوق الإنسان وسيادة القانون، وهو نموذج قانوني متطور يمكن الاستفادة منه في تطوير التشريع الأردني.
ولا تزال تحديات تقنية وقانونية تواجه هذا المجال، منها تعقيد تفسير قرارات الذكاء الاصطناعي، وصعوبة الفصل بين الخطأ البشري والخلل البرمجي، مما يتطلب تحديث التشريعات باستمرار وتبني مقاربات قانونية مرنة تضمن حماية المرضى ومساءلة الأطراف دون إعاقة التطوير التكنولوجي.
في الختام، يمثل قانون المسؤولية الطبية والصحية الأردني لسنة 2018 قاعدة صلبة لمسؤولية الأطراف الطبية، لكنه بحاجة إلى تحديث وتطوير لإدراج آليات متخصصة تتعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر. ويتطلب ذلك صياغة مواد قانونية واضحة تعزز التنظيم والتنسيق بين المطورين، الأطباء، والمؤسسات الصحية، وتوفر ضمانات قانونية للمرضى، بما يحقق توازناً بين الابتكار الطبي وحماية حقوق المرضى القانونية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد