نعـم .. أنا ملكـــيّة

mainThumb

09-04-2010 12:00 PM

 نعـم ... أنا ملكـــيّة

وصفني أحدهم : أنني ملكية أكثر من الملك . ظانا أن هذا الوصف يغضبني ، وأنا أقول : وصفك سيدي أسعدني ، فأنا فعلا ملكيّة . أحب الملك.... وأعشق الوطن ، أحبه لا متزلفة ، ولا منافقة ، ولا مستعطية . أحب الوطن ، لا بالكلمات ولا بالرموز التي نقشتها على أساوري ، ولا بحروفه التي وشمت بها أقراطي وأشيائي ، وليس بالخرز الذي نظمته ، بألوان رايته لطفلتي عقودا و ( دناديش) .

أحب الحسين ... أحب وصفي....أحب هزاع ، وأطرب لصهيل خيولهم الجامحة ، حين تتسلل لأذني دون استئذان، عابرة صفحات التاريخ . تأسرني تلك الخيول وفرسانها ، تأخذ بزمامي لصهواتها المعتـّقة ، أتشبث بأعنتها المرخية ، أمتطيها ... أجوب بها الربوع ، أزور بقاع الوطن بقعة بقعة ، أقبل حجارتها وألثم ثراها ، وتعبث يدي برفق بسنابل مأدبا ، وتلامس بلطف ندى شماريخ الحصن ، وتفتش عيناي عن طيور الدوري تلهو بين بيادرها . أسرح النظر في قلعة الشوبك ، وأقف مشدوهة بوادي اليتم ، وعند رم ، أرفع صوتي أنادي :

يا أخت رم ، وكيف رم ؟ وكيف حال بني عطية ؟
هل ما تزال هضابهــــم شما ؟ وديرتــهم عذيـــة ؟
سقيــا لعهـدك ... والحياة كمـا نؤملــــــها رضيهْ
وتلاع وادي اليتــــم ضاحكــة ، وتربتــه غنيــــة
وسفــوح شيحان الأغــن ،بكل يانعـــة سخيـــــة

واستمتع برجع الصدى يردد:

يا بنت وادي الشتا ،هشت خمائله لعارض هــــلّ من وسميّ مبـــدار

وثغرة الزعتري ، افتـــرّ مبسمها عن لون خداك ، إذ تغزوه أنظاري

وسهل اربد ، قد جاشت غــواربه بــــكل أخـــّــاذ من عشب ونــــوار

ثم أعود لأقف في مزاراتهم ، أقرأ من على شواهد قبورهم ، أسماءهم ... تواريخ ميلادهم ... ألوان وجوههم ... أقلب صفحات الوطن ، صفحة صفحة ، في ذاكرة أضناها عشق الأرض ، ذاكرة ما غابت عنها رائحة العشب ( الذاوي )، حين يشرب أول وابل في بني كنانة ، أقف بحضرتهم وأمام شواهد قبورهم ، ثم أمد شماغي الأحمر ، أقيهم لفحة الرياح السموم ، غربيها وشرقيها ، أحجب عنهم شمس أيلول الحارقة ، وأضرع لله أن لا تغادرهم رحمته .

نعم.... أنا ملكية الهوى . هاشمية الولاء . أردنية المذهب . نذرت لمذهبي فلذات كبدي ، أرضعتهم كأس حب الوطن مترعة ، وحين درجوا برعوا في الحب . ولأجلهم تملكني حب البطولة ، وأقض مضجعي وقع الحوافر ، وما غابت عن مخيلتي صور الأبطال ، يستحثون الخيول البلق الضامرة ، فسافرت معهم في وقائعهم ، وانتصاراتهم ، طيفا يتسلل لسراياهم وكتائبهم ، أقبل جباه الخيول ، وأعلق على أذنابها التعاويذ والتمائم ، أمسح العرق الذي ينز من صهواتها .

سميت أبنائي تيمنا على أسمائهم ، فصدقوني ، فالبكر (خالد) ، ومن بعده عمر ، فطارق ، وزيد . وحين أرى خالدا الذي لم يجاوز الثانية والعشرين، ضابطا بجيش أبي الحسين ، أزهو ، ويهتـزّ رأسي فرحا ، وترتعد فرائصي ، وترتجف جوانحي ، وتجتاحني صور الخنساء، وخولة ، وأسماء .

نعم أنا ملكية ، أنا فلاحة متشبثة بجذر الأرض ، شامخة كشموخ شيحان، حناء أصابعي من ترابها ، وعطري فوح ثراها ، ولون دحنونها حمرة خدي ، يحق لي أن أقول وبفخر :أنا أردنية ، ملكية الهوى و المذهب ، الحسين أبي، وعبد الله مليكي ونبراسي ، وأخوالي هزاع وصفي .

أم خالد t_obeidat@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد