كفرسوم .. تنام بحضن اليرموك بعيون مفتوحة

mainThumb

18-04-2010 11:53 PM


هذي كفرسوم ، قلادة أنجم عزم ، إباء ، صولة ،أحرار

بالقول هذا تستقبل كفرسوم زوارها , معلنة عن نفسها ، ملوّحة بيدها ، ، لا تدخر للطيبين طيبا ، ولا تستر عن عيون قصّادها جمالا . هي أم القرى ، تغسل وجهها كل صباح ، بنسائم طبريا الحبلى بالماء ، وتنثر ضفائرها مع كل ظهيرة ، على ضفاف اليرموك ، تنشرها خصلة خصلة ، تعطرها بشعاع شمس خجول ، تسرحها بين شعابها ودروبها ، زيتونا مباركا، لا شرقيا ولا غربيا ، دحنونا وتينا ورمان . جاد الخالق عليها فأجزل .


كفرسوم (أم القرى) كما يحلو لأهلها ، ليست اسماً لنادٍ ، أو منطوقا لجمعية خيرية ، وما هي مجرد اسم لمدرسة ، أو لشركة نقل ركاب ، ولا هي حروف صامتة ، ألصقت عنوة على يافطة خرساء متعبة ، ترقب الطريق من عشرات السنين . هي أم القرى السبع : حرثا ، والرفيد ، وحبراص ، ويبلا ، وبرشتا ، واليرموك ، والمزيريب . فمنها توزع الأهل والعشيرة (عشيرة العبيدات ) . ليحملوا من القلب انتظام النبض ، ومن الهمة همة . ومن الأنفة العنفوان . هي القلب ، ومن حولها الأعضاء التي تمدها بمادة البقاء .

كفرسوم هي السباقة في كل سبق ، هي من أوائل بلدات الوطن ، التي أصابت القدر المتقدم في التعليم ، فمدرستها أسست مع تأسيس الأردن ، ومنذ العشرينيات من القرن الماضي ، تعبت السنون والأيام ، وما تعبت معها مدرسة كفرسوم ، عن استقبال أفواج الدارسين ، وتوديع كواكب الخريجين .


ولعل الطبيعة جادت وما بخلت ، فموضعتها على سهلٍ مستوٍ، تحيطه الأودية كما يحيط السوار المعصم ، تضج هذه الأودية بثرثرة الغدران ، ويملأ فضاءها عبق الأزهار، لا تسمع بجنباتها إلا تغاريد العصافير العاشقات ، وجلبة أسراب طيور الحجل ، وثغاء خراف تاهت عن القطعان . وحين تنام جبالها ووديانها ، تصحو كائنات ليلها ، فالسمار والساهرون كثر ، تشنف آذانهم ، أناشيد بنات آوى ، وزغاريد ضفادع غدران، تعبت الليالي ، وهي ما تعبت عن الجريان ، لتبعث الحياة في بساتين الزيتون والرمان ، ولتتشرب من رويّها أنساغ أرض لا زالت آثار معاول الأجداد توشم حجارتها وجدران كهوفها . وخطوط أبنائهم ورسومهم وعبثهم البريء على صخورها الملساء ، بنادق وخيول ودفاتر وأقلام رصاص . تحكي ذكريات ماض تليد ، واشتهاءات مستقبل واعد .


لعل قرب كفرسوم من دمشق ، عاصمة العلم في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي ، انعكاس على حب بنيها للعلم والتعلم ، ولعل قربها انعكس على توجهاتهم السياسية ، وعروبتهم المتطرفة ، وحماسهم المتدفق ، ولعل كل هذا ، أثرى المشهد الثقافي ، والحراك الاجتماعي ، فتعددت أشكاله ، تماما كما تعددت الجهات التي تصدّت له ، فنادي كفرسوم ، اضطلع بالمهمة الأولى ، حين أطلق فعاليات سميت بـ (ملتقى كفرسوم الثقافي ) ، استمر لأكثر من ثلاثة عشر موسما ، وبالقدر الذي احتلته أنشطة الملتقى على الصعيد الوطني ، بالقدر الذي أحرج وأخجل ، أعتى الصالونات الأدبية في العاصمة عمان ، حيث استضافت أروقة الملتقى ، عشرات الساسة والمثقفين والفنانين ، وتجاوز حدود الوطن ، فأمّه عديد من أعلام الفكر والثقافة والفن ، من شرق الوطن العربي وغربه .

لكفرسوم غنى الشاعر عمر الفرا ، ولمجدها وعنفوانها ، وقفت الفنانة نضال الأشقر، من على ظهر (الدير) تدعو لها . وبخضرة زيتونها وبحمرة رمانها ، ازدانت لوحات العديد من رسامي وطن عشقوها ، فبادلتهم العشق بعشق ، ولصهيل خيولها جلبة وهمهمة في شاشات التلفاز ، ولحداء رجالها وزغاريد نشمياتها رجع في أثير إذاعاتنا .

هذي كفرسوم . كما استقبلت زوارها ببيت شعر، تودعهم ببيت شعر. فعلى مدخلها ، ارتهن الزمان بيتين من الشعر ، بيت للقادمين ، وآخر للمغادرين ، يذكـّر الخارجين المغادرين من أبنائها ، وكأنه وخز بمسمار محمى :

كفرسوم الأبية لا تحيدي عن المجد المعلم بالخلود


T_obiedat@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد