ماذا يجري في الأردن ؟

mainThumb

16-01-2011 07:43 PM

إنّ المتتبع لأمور الوطن، وما جرى مؤخرا في ذيبان والكرك، والحراك الذي يجري على مستوى اللجان الداعية إلى تسيير المسيرات من شمال الوطن إلى جنوبه يوم الجمعة القادم، ومظاهر العنف في الجامعات، والمدن الأردنية... كلها تعكس مدى الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المجتمع، الأمر الذي بدأ يظهر على سلوك المواطنين الذين باتوا يوصفون بأعلى درجات النزق، والضغط النفسي، فنراهم يتشاجرون، وقد يَقتلون لأتفه الأسباب، ولعل ذلك يعود إلى الظروف الاقتصادية، وارتفاع الأسعار، والقرارات الموجعة التي تتخذها الحكومة، وتدمير كثير من القيم الاجتماعية، وتآكل الطبقة الوسطى، الحافظة في أي مجتمع لكثير من التوازنات الاجتماعية والاقتصادية، والأسوأ من هذا كله الحديث عن عجز الميزانية، والمديونية الضخمة المتزايدة يوما بعد يوم في الوقت الذي لا يعرف المواطن أين ذهبت؟! ولمن؟!




 في ظل تساؤل كبير لماذا لم تطبّق الحكومة المثل الذي شكّل ثقافة الأسرة الأردنية لعقود(على قدر فراشك مد رجليك)، وهي التي كانت تحثّ المواطن على ترشيد الاستهلاك في كل مناسبة؟! ولماذا استدانت الحكومات المتعاقبة هذه المبالغ؟! لاسيما أنها فشلت في إقناع المواطن بأن هذه المديونية الضخمة ذهبت لمنفعته في كثير منها، بل إنه بات مقتنعا أن معظم هذه المديونية ذهب إلى جيوب من لا يستحقها من المسرفين والفاسدين، وهم يرون بأمّ أعينهم الغنى الفاحش لدى طبقة بعينها، وما يسرفه المسرفون على سياراتهم، وفهودهم، وكلابهم...ولو كانوا ينفقون من جيوبهم الخاصة فلا ضير، وإن كان للفقير نصيب من أموالهم بحسب الشرائع السماوية، والأعراف الثقافية، وما نراه في المجتمعات المتحضّرة، لكن عندما يشعر المواطن أنهم ينفقون من جيبه، وهو الذي يلهث ليلا نهارا لتحقيق نفقات قوت أبنائه، ونفقات تعليمهم، ويبيع أرضه وممتلكاته في سبيل ذلك، وقد يبيع مستقبلا عرضه مع قرار الحكومة الأخير، ومازال راتبه يتناقص، والفقر يزداد استشراء،




هذا مع ما يسمعه أحيانا من أن الحكومة تعيش على جيوب مواطنيها، وما يسمع عنه أيضا من ظهورٍ لملفات الفساد المتتابعة خلف بعضها بعضا، وبعد هذا كله يُطلب منه المزيد من التقشف، والمزيد من الجدّ والعمل، وهو متأكد من أنّ عمله وعمل أحفاده من بعده لن يكفي لتسديد هذه المليارات، مع الاستمرار في استدانة غيرها، فهذا أمر بات فوق طاقته، وفوق احتماله!! يعرف المواطنون بوجود أزمة اقتصادية عالمية، ويفهمون استحقاقاتها، لكن الذي لا يفهمونه لماذا على الأردني أن يعيش في أزمة اقتصادية دائمة، حتى لو كان العالم كله يعيش في بحبوحة؛ وأنّ عليه أن يعيش في نفق أسود مكفهرّ دائم، فإذا صاحَب هذا إحساس المواطن بأنّ الحكومة لا تحترم مشاعره في كثير من تصريحاتها، وقراراتها، وتعييناتها، وحصرها المناصب الحكومية في جهات محددة، وعائلات بعينها....




 فلعلنا نفهم سرّ تفاقم الشعور بالإحباط، والغضب، ومن ثّم العنف. زد على ذلك كله الثقة غير المسبوقة التي حازتها الحكومة مع عبارات زادت من حنق المواطن الذي أصبح في غياهب مفارقة كبرى، فبعد سنة من الشكوى المريرة من الحكومة وانتقاده لها، تأتي هذه الثقة من ممثلي الشعب الذين يفترض أنه انتخبهم ليعبروا عن رأيه، ويدافعوا عن حقوقه، ويقفوا في صفه، لاسيما في ظل استفحال الحكومة في رفع الأسعار، وتوعدها بالمزيد، فأعاد إلى أذهانهم ما لم ينسوه بعد من شعور بأن كثيرا من هؤلاء جلسوا على المقعد بدون وجه حقّ، وبالتالي من أخذ شيئا بغير حق لا يُتوقع منه أن يعطي حقا، أو يدافع عن حقّ،




 فجاء هذا المجلس صادم لطموحات الشعب جملة وتفصيلا، وشعر بعض المواطنين أنّ ما حدث من شغب ورفض وعنف أثناء الانتخابات، الأخيرة، وعند ظهور نتائجها كان مبررا، بل إنه عاد يطفو على السطح من جديد كما يشاع عن أحداث معان الأخيرة. أما الاحتقان السياسي الموجود، فهو الآخر غير مسبوق على مستويات عدة، منها ما ذكرت آنفا، ومنها أيضا: قصص الوطن البديل وكل ملاحقه، وتقزيم العشيرة من خلال اتهامها بتهم كثيرة من أهمها مسؤوليتها عن العنف، وما يشاع عن وجود فئة تعمل على تحقيق ذلك من خلال إيصال الوطن إلى الهاوية، وأخذه إلى المجهول؛ لتسهيل تحقيق أجندتها الشخصية، ورغبات الصهيونية العالمية.




وعلى هذا، فالوطن للأسف في مأزق كبير، وقد ينزلق – لا قدّر الله- عند أول شرارة احتكاك؛ لذا يُتوقع من أصحاب القرار أن يأخذوا إجراء سريعا يخفف من هذا الاحتقان، وإبعاد السفينة من وجه الأمواج العاتية التي تتلاطم أمام ناظرينا، صحيح أن توجيهات جلالة الملك للحكومة الأخيرة جاءت في وقتها، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن ما زالت الأمور بحاجة إلى مراجعة شاملة. أما أنتم أبناء الوطن الطيبين، فمن حقكم التعبير عن رأيكم، ورفع الصوت عاليا في وجه الظلم والقهر، وإسماع رأيكم لكل أصمّ في الداخل والخارج، لكن الذي ليس من حقكم أبدا هو إراقة دم الأردنيين، وتخريب ممتلكاتهم، وإفشال انجازاتهم التي نزفوا في سبيلها العرق الغزير، فهي ملككم وملك أبنائكم من بعدكم، وليست ملكا لفاسد، أو مسرف؛ لذا علينا جميعا المحافظة عليها، ولن نسامح أحدا على التخريب، وإيذاء بعضنا بعضا، فنكون مثل من أراد إصلاح بيته، فهدمه على رأسه، ورأس أهله، وحمى الله الأردن.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد