المتفوقون وفوضى التوجيهي !

mainThumb

03-07-2013 08:02 PM

منذ سنوات خلت وامتحان التوجيهي في تراجع، وفي كل سنة تتزايد أساليب الغش، وتتراجع الرقابة، وتكثر المخالفات، وقد دُق ناقوس الخطر غير مرة، وجرت مطالبات بضرورة تحصين هذا الامتحان الذي كان من أفضل الامتحانات، وأكثرها مصداقية في المنطقة.

ولكن، وفي مثل كثير من القضايا بقيت الحكومات المتعاقبة تصمّ آذانها، وتغلق عيونها عما يحدث، فتراها في حالة إنكار دائم، وجلّ ما تقوم به هو المسارعة إلى النفي، منتهجة  في ذلك نهج النعامة، فهي وحدها لا تعلم، ولا تسمع، ولا ترى في حين الكل يرى ويسمع ويعلم.

فالأسئلة تُهرّب في وضح النهار، وتبث على شاشات التلفاز، وتتناقل على الهواتف الذكية، والمواقع الاجتماعية، وكذلك الأجوبة، وتقنيات الغش الالكتروني تتكاثر بصورة ملفتة!

وبعض الطلبة يتظاهرون هم وأهاليهم طلبا للسماح لهم بالغش، وآخرون يمزقون دفاتر امتحانات زملائهم، ومدارس تحرق، ومراقبون يُعتدى عليهم... إنها بلطجة التوجيهي بلا شك، بل من المفارقات العجيبة ما تناقلته وسائل الإعلام من طرد أحد مراقبي القاعات تحت التهديد بالسلاح، وإغلاق الباب خلفه تمهيدا لممارسة الغش بحرية كاملة، وبدون إزعاج !

علينا أن نعترف أن هيبة التوجيهي أصابها ما أصاب هيبة الدولة من تراجع، وذهبت معه هيبة المعلم المراقب الذي بات ينشد السلامة في ظل عدم وجود من يحميه في مجتمع انهارت فيه كثير من القيم التي كانت قائمة، فالعنف المسلح أصبح سيد الموقف في مواقف كثيرة، ومنها التوجيهي!

لكن هناك فئة نسيناها أو تناسيناها ألا وهي فئة العاملين ليوم الامتحان من أبنائنا الطلبة وأهليهم الذين سهروا وتعبوا وأنفقوا من مالهم، ووقتهم الكثير على مدار سنوات عديدة لتحقيق طموحهم بالحصول على مقعد جامعي على قدر جهودهم التي بذلوها.

فمَن سيحقق العدالة لهؤلاء؟! وكلنا يعرف أن عُشر العلامة في بلدنا يمكن أن يغير مستقبل الطالب في اختيار  التخصص الذي يريد! أو يحرمه من دخول الجامعة، أو يمكن أن يحوّله من البرنامج العادي إلى الموازي الذي يضطر الأهل معه لدفع أضعاف ما يدفعونه للعادي! وقد يخسر الطلب منحة عمل كثيرا لأجل تحصيلها، فذهبت إلى غيره من الذين جاءتهم أسئلة الامتحان وأجوبتها جاهزة برسالة مجانية أو بفلوس قليلة أو ممن انتهجوا أسلوب البلطجة في سبيل تحقيق غايتهم!

وأين هي العدالة الاجتماعية التي تتغنى بها الحكومات المتعاقبة لا سيما الأخيرة منها وهي تتحدث عن الإصلاح؟! وأين هي الدراسات والمؤتمرات التي ناقشت موضوع العنف المجتمعي ومنه الجامعي وأسبابه ونتائجه؟! ألم يدر في خلد الباحثين أن غياب العدالة عن امتحان التوجيهي هي أحد أهم أسبابه؟! أو ليس التوجيهي، وما يدور فيه هو أحد أسباب الإحباط عند أبنائنا؟!  والإحباط يمكن أن يؤدي إلى العنف، أو ليس ما يدور في أرجاء الوطن هو رسالة للشباب  بعجز الدولة عن فرض هيبتها، وبالتالي أصبح كل واحد يأخذ حقه بيده، في ظل ما اقترفته أيدي الفاسدين من  تشجيع على تجاوز القانون، فتوالى الرقص على حافة الهاوية؟!

لا أحد في هذا الزمان  ينشد: قم للمعلم وفه التبجيلا، فلم يعد رسولا طالما أنه يهرب الأسئلة والأجوبة لحساب فئة دون أخرى، ولم يعد كلام العواطف يثمر، ولا شكوى الظلم تنفع، وإنما لا بد من  فرض سيادة القانون  وعلى الجميع دون استثناء، ولا بد لوزارة التربية أن تبحث عن بدائل لهذا الامتحان الذي أصبح خَربا، والإفادة من تجارب الامتحانات الدولية الكثيرة التي تعقد بهدوء، وبقدر كبير من الموضوعية والعدالة لا سيما  أن لديها الوقت الكافي لعدم تكرار الأخطاء في السنة القادمة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد