الإفتاء وحرمة البقاء بلا عمل .. ‎

mainThumb

27-08-2014 10:50 AM

لقد أضرب المعلمون فأصبحت الإضرابات حرام ، ولو تظاهر المعلمون لأصبحت المظاهرات حرام ، وأصبحنا مع السعوديين في هذا الباب سوآء” بسواء  ...

المفتى الأردني يقول  : إن راتب الموظف الجالس من دون عمل هو : حراااااام  دون جدال ...


وهذه الفتوى صحيحة ولا لبس فيها أبدا”  ، وكان لهذه الفتوى  أن تجد السمع والطاعة من الجميع لو كانت شاملة وكاملة ، ولكن من الواضح للجميع بأن هذه الفتوى مصنوعة خصيصا” لإضراب المعلمين ؛ وإلا فلماذا صمتت دائرة الإفتاء العامة عندما أضرب : الإطباء والممرضون والائمة والوعاظ ؛ وعندما أضرب موظفو الكهرباء والجمارك والأراضي والمساحة والقضاة ؛ ولما صمتوا على إضراب موظفي المصفاة والفوسفات وسلطة إقليم العقبة وغيرهم وغيرهم ...


كان إضراب كل هؤلاء هو محط تقدير وتفهم ومتابعة وإهتمام من كل المسئولين الأردنين المعنيين ؛ وعلقوا في حينها بالقول : نقدر مطالبكم المطروحة ونقدر حقوقكم ؛ وفي ظل الديمقراطية والحرية والإنفتاح الذي نتفيأ في ظلاله في الأردن ، فمن الطبيعي أن نواجه مثل هذه الإعتصامات والإضرابات التي هي وسيلة حضارية للتعبير عن الرأي  ، وطريقة راقية للتعامل والتخاطب ، وقد كفلتها لنا جميع الدساتير الأردنية ؛ هذه هي أراء المسئولين الأردنيين في أثناء تلم الإضرابات  ...


 ولكن هذه النظرة الحكومية سرعان ما تبدلت وإنقلبت عند كل إضراب للمعلمين  ؛ حيث شن الإعلام الأردني حملة” قوية” على المعلمين المضربين ، وخرجت دائرة الإفتاء الأردنية عن صمتها الطويل لتفتي بحرمة الإضرابات وبحرمة بقاء الموظف من دون عمل !!!


وكأن المعلم الإردني وهو : الشمعة التي إحترقت وبقيت منيرة لسنوات„ طويلة ، يحرم عليه كل ما حللته الدساتير الأردنية لغيره من الموظفين ؛ وكأن المعلم الأردني مكتوب عليه بإن يحترق إلى ما لا نهاية ودون أن بتكلم أبدا”  ؛ وكأن الجميع في هذا اليلد قد تعودوا على رؤية المعلم الأردني وهو يواصل العمل الدؤوب بصمت وهدوء  ؛ إلى أن يسقط وبوارى الثرى بصمت وهدوء ...


لقد قدم كثير من المعلمين شبابهم وأفنوا أعمارهم وحياتهم في سبيل توعية وتربية الأجيال الأردنية ، ثم إختفوا وغادروا هذه الدنيا  جنودا” مجهولين وبعيدين عن كل العيون .


وخلال خدمتي  الطويلة في سلك التربية والتعليم ؛ شاهدت الكثير من الزملاء الذين أفنوا أعمارهم وقدموا شبابهم وكل ما لديهم من جهود„ لصالح الأجيال الأردنية  ؛ حتى أعياهم الوهن  والتعب وهاجمتهم الأمراض وداهمتهم كل العلل ؛ فطوتهم الحياة شموعا” منيرة” ودفنوا جنودا” مجهولين ، ورغم أن المعنيين لم يذكروهم بكلمة  ثناء„ واحدة ؛ فحتما” سيجدون عند ربهم أرفع مراتب الشرف وأرقى درجات التكريم والإجلال .


وإنني هنا أتذكر بإمتنان كبير كل زملائي الذين كانوا شموعا” منيرة” في دروب الوطن وفي طريق الأجيال ، والذين قدموا الكثير الكثير بتفان„ كبير„ وإخلاص„  دون أن يهمسوا ولو مرة” واحدة” بكلمة أف„  أو كفى ...


إخواني الأردنيين  ؛  كان من الممكن لكل هذه الشموع الأردنية بأن تبقى مضيئة دون أن تهمس بكلمة واحدة في حياتها ، وكان من الممكن بأن تواصل طريقها المعتاد والذي إرتضته لسحق الجهل ولإزالة الظلمة عن دروب الأجيال الإردنية دون كلام ؛ ولكن هيهات هيهات  هبهات ! وقد أضحى التعليم الإردني في العقود الأخيرة محطة” للعب ومكانا” للتجريب وللعبث  ؛ دورات كثيرة لمناقشة النظريات الشرقية والغربية الغريبة في التعليم ، وتطبيقات متسرعة وتعميمات غير مدروسة و...   والتي  ساهمت جميعها في حرف التعليم الإردني عن مساره الصحيح والأصيل ؛ فخلال العقدين الأخيرين وجدنا الطالب الأردني وقد تحول من تقديس العلم وإحترام المعلم إلى مجرد البحث الشرس عن الشهادة فقط ؛ والتي أضحت وسيلة الوحيدة لجمع المال وللكسب والثراء ؛ جامعات تجارية كثيرة ؛ وتعليم تجاري وموازي ؛ وقوانين مكبلة للمعلم وتعميمات مميعة للتعلبم ؛ كلها قد ساهمت في سقوط التعليم  الإردني كما نراه اليوم ونشاهده ونلمسه .


لقد ضاعت هيبة التعليم وفقدت هيبة المعلم حتى تجرأ عليه المنحرفون والزعران وهاجموه في غرفته الصفيه ! وهو الشيء الذي أضطر المعلمين للوقوف بقوة في وجه هذه المهزلة التعليمية  الجارية ، والتي أفسدت الأخلاق ودمرت الأجيال وقادت التعليم الأردني إلى مزيد„ من السقوط والإنحدار والضياع ؛ فقام المعلمون قبل عدة سنوات بهبة„ للمطالبة بحقوقهم وبنقابتهم ، كما طالبوا بإلاصلاح الفوري للتعليم ، ولا زال المعلمون  إلى هذا اليوم  يطالبون بحقوقهم ويبدون بأرائهم لمحاولة إنتشال التعليم الأردني من سقوطه  ؛ وكان الأجدى بالمعنيبن أن يتواصلوا بصدق„ مع المعلمبن  ومع نقابتهم ، لا أن يصلوا إلى نقطة المواجهة معهم ؛ فالمعلم هو الإنسان الوحيد الملاصق للطلاب ؛ وهو الأدرى بالمعوقات الموجودة وبمشاكل التعليم ...


 كنا  ـ معشر المعلمين ـ سنحترم رأي السيد المفتي لو قال كلمة الحق ورأي الشرع في كل خلل وزلل قد تسبب بالأخطار وساق البلاوي لهذا الوطن ؛ فالإنحرافات في وطننا كثيرة وبكل أسف ، والظلال والفساد منتشر كذلك ؛ فإن أقحمتم الدين في إضراب المعلمين فإننا نطالبكم اليوم بأقحامه  في كل ما أغضب وجه الله وشجع الفساد والإنحراف والضلال في هذا الوطن ؛ بدء” بالنت الإباحي ومرورا” بالملاهي الليلية وبيوت الدعارة وإنتهاء” بالسرقات وببيع المقدرات لهذا الوطن  ....... وأنا متأكد بعدها بأن  الجميع : معلمين وغير معلمبن سيصغون لكم دون تردد ....



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد