أيام زمان وزلم زمان .. ‎

mainThumb

10-05-2015 03:49 PM

القصص التي تتحدث عن صفات وحياة ومغامرات الأجداد والجدات كثيرة جدا” ، وسيندهش الإنسان  : (  لبساطتهم ، وطيبتهم ، وصبرهم ، ولشجاعتهم ، ووفاءهم ؛ ولقوتهم البدنية الهائلة في بعض الأحيان ... )  ؛ ولكنها الحقيقة التي عاشوها  ؛ عندما كانوا الأقرب للسجية وللفطرة .


وأنا متأكد بأن الجيل الحالي من شبابنا ؛ لن يستوعب  مثل هذه القصص الغريبة عليه وعلى حياته ؛ بعد أن تنكر لعاداته وابتعد عن  الفطرة ، وبعد أن درج أكثر الشباب على رغد ونعومة العيش وعلى الكسل والإتكالية ، وبعد أن لبس أكثر الشباب السلسال وسحلوا البنطال  ...


وفي حديثي عن حياة (أيام زمان وزلم زمان ) ، سأبدأ بهذه القصة والتي رواها بعض لي بعض الرجال الأوائل من بلدة الشجرة ؛ وبعضهم الرواة لا زال إلى اليوم على قيد الحياة ـ أمد الله في عمرهم ورحم الله من توفى منهم ـ  ؛ وهي قصة عند جندي عربي خدم في صفوف الجيش العثماني في أواخر الخلافة العثمانية ؛ وكان يأكل خروفا” صغيرا” بأكمله على وجبة الغداء ! وعندما سمع عنه أحد القادة الألمان ، قرر زيارة وحدته العسكرية ليراه بأم عينيه ... وبعد مشاهدته له وهو يأكل الخروف لوحده ! ذهل القائد العسكري الالماني منه وقال  : هذا جيد ؛ هذا جيد ؛ لكن إنسانا” يأكل كل هذه الكميات من الطعام  ؛ فما هي طاقاته ؟ وماذا عساه أن يفعل  ؟ فقام هذا الجندي العربي لجسرين من سكة حديد ورفعهما  فوق كتفيه ! وعندها قال القائد الألماني  : هذا الجندي خارق ولا عجب إن أكل خروفا” بأكمله  ... !


قصة أخرى رواها جدي والد أمي إلى أبي  ـ رحمهم  الله جميعا”  ـ  وقال  : ذهبت الى فلسطين برفقة أحد أقاربي وهو الحاج علي المبارك ـ رحمه الله ـ والمعروف بقوته البدنية الهائلة وبقدرته الكبيرة على اكل كميات كبيرة من الطعام ولا سيما الحلوى التي كان يحبها  ... وتابع جدي قائلا”  : سرنا على الأقدام ومعنا جدي صغير عسانا أن نبيعه ونشري بثمنه بعض الحاجيات من فلسطين ، وعندما وصلنا إلى مدينة طبريا القريبة  ، وجدنا بائعا” متجولا” للحلويات وأمامه سدرين ( للهريسة ) وهي : نوع من الحلويات البيتية والمعروفة في بلاد الشام ؛  فقال جدي لبائع الحلوى : هل تراهن بأن هذا الرجل يستطيع أن يأكل سدري الهريسة لوحده ؛ فقال بائع الحلوى : هذا مستحيل ؛ ولا أصدق ذلك؟ فقال له جدي : إن فشل هذا الرجل بأكل سدري الهريسة  ، فإن هذا الجدي الصغير هو لك : حلالا” زلالا”    ... فوافق بائع  الحلوى على هذا الرهان والذي جرى أمام شهادة الشهود  ، وبدأ قريب جدي بأكل الحلوى فأكمل سدر الهريسة الأول ؛ وإنتقل لأكل سدر ( الهريسة ) الثاني ؛ وعندها شعر تاجر الحلوى بأنه على وشك خسارة الرهان وخسارة كل شيء  ! فحمل ما تبقي في سدر ( الهريسة ) الثاني وولى هاربا ” عن المكان  ...


والقصص المروية عن القوة البدنية ( لزلم أيام زمان ) وعن قدرتهم الكبيرة على إلتهام كميات كبيرة من الطعام هي كثيرة جدا” ؛ ولكنها قدررات لم تجلب لهم الأمراض ولم تسبب لهم التخمة والسمنة ؛ لإن طاقاتهم لم تكنز في الأرداف والبطون ، ولكنها صرفت لخدمة الناس والمجتمعات  ... وعلى سبيل المثال ؛ ففد ذكر أبي ـ رحمه الله ـ : أنه وخلال عملهم في تشيد خان يخصص لمبيت الحلال ولتربية الأبقار  ...  ؛ فقد عجز مع إخوته عن رفع حجر„ بازلتي„ أسود  طوله متر واحد ليضعوه فوق البوابة الرئسية للخان ( عرقة ) ولاتمام البناء عليه بعد ذلك  ؛ وعندها تدخل جدي لعلاج الموقف ؛ وحمل الحجر البازلتي الأسود على كتفه وصعد على درجات السلم والتي كانت تهتز من تحت قدميه بقوة ! والخان لا زال موجود والحجر الأسود في مكانه ... ويبلغ وزنه مائة كيلو غرام أو إكثر  !


والقصص المروية في هذا الجانب كثيرة جدا” ولكنني سأنتقل الآن للحديث عن طيبة وبساطة وصدق  ( زلم زمان ) ، فقد روى كثيرون من سكان بلدتي الشجرة قصة محمد العودة الله ـ رحمه الله ـ وهو رجل معروف بتقواه وبكرمه وطيبته ، ووصل الأمر بهذا الرجل الطيب ـ أنه كان إذا سمع نباح الكلاب في الليل ، قام وأيقض زوجته من نومها لكي تجهز الخبز للكلاب الجائعة ... فإذا جهزت زوجته الخبز أطعم هذه الكلاب بيديه وهو يقول : مخلوقات لله في ضيافتنا ، مخلوقات لله جائعة ولنا الأجر بإطعامها ... فكانت الكلاب كلما جاعت قدمت اليه ... ونفس هذا الرجل ـ رحمه الله ـ كان ينثر السكر على الأرض ليلتهمه النمل الصغير أو ( الذر ) .

والقصصن المروية عن تقوى وورع ( زلم زمان ) وعن حبهم المتواصل للعمل ولخدمة الشجر والحجر والبشر ، طمعا” بالأجر والثواب من الله كثيرة أيضا” ... ومنها تلك الهبة أو العونة والتي لازمت الناس كلما احتاج أحدهم للمساعدة في إنجاز وإتمام عمله ؛ عملا”  بقوله صلى الله عليه وسلم : يد الله مع الجماعة ... ومن القصص التي تدلل على طيبتهم وتقواهم وتفانيهم في عمل الخير  ؛ قيامهم بتمهيد وتسهيل الطرق الوعرة في المنحدرات وفي الأودية لتسهيل مرور الناس  ؛ وبعض الأجداد  كان يحفر في الصخور القريبة من المنحدرات والطرق الملتوية  ( الجرون )  ... وهي حفر صغيرة  في الصخر بهدف تجميع مياه الأمطار لكي تشرب منها  الدواب والطيور ...


وعند الكلام عن طيبة وبساطة وتقوى ( زلم ونساء أيام زمان )  ؛ فلا يمكنتا نسيان جارتنا أم زياد  ـ  رحمها الله ـ وهي الجارة الأمية التي شاهدت في ساحة بيتها القديم قطعة من الخبز علقت بها الأوساخ ، فبكت بشدة على ما حل بهذه النعمة الإلهية وخافت من حلول سخط الله  ؛ فتناولت الخبزة ومسحت ما علبها من أوساخ ثم أكلتها ؛ واثناء النوم جاءها ملكا” من ملائكة الله فأخبرها برضا الله  عليها ثم حفظها كتاب الله ؛ فحفظته مع العلم بأنها أمية ؛ وقصتها معروفة لأهل الشجرة جميعا” ـ وقد توفاها الله تعالى قبل  عدة سنوات ونسأل الله لنا ولها الرحمة    ... .


ولا زلت أتذكر طلاب المدارس الأوائل من لواء الرمثا ومن المدارس الأردنية المختلفة ، وهم يتسابقون بالمئات لزراعة الأشجار الحرجية في الجبال وفي الغابات وفي الساحات العامة وعلى جوانب الطرق الممتدة بين القرى والبلدات المختلفة ، تماشيا” مع الهدف الذي وضعه جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، في الوصول لأردن أخضر عام الفين  ... ولا زلت أتذكر كيف أنشئنا ملعبا وساحة إصطفاف واسعة ومستوية إمام مدرستنا الجبلية الوعرة  في قرية الرميمين ؛ وهي الواقعة في محافظة البلقاء ؛ واتذكر يوم كنا نعمل في كل حصص الأنشطة وفي حصص الإشغالات لتحطيم الصخور القريبة والبعيدة بواسطة الفؤوس والمهدات ، وبعد ذلك نقوم بحمل هذه الصخور ورصفها أمام الغرف الصفية لتجهيز الملعب والساحة المطلوبة ، وفعلا” ففد حققنا الهدف بعد عامين من العمل المجهد والشاق والدؤوب ؛ وهذا كله جرى بمساعدة  واشراف معلمين جادين فاعلين رحم الله ميتهم وأطال الله بعمر حيهم  وجزاهم الله الخير عن كل ما قدموه  ؛ لقد كانت أياما” جميلة وحلوة ؛ وإكتمل فيها العطاء المتواصل وتجلى فيها الإنتماء الصادق  والبعيد عن التنظير والكلام المنمق الكاذب والخادع ؛ كانت أياما" جميلة” يوم صفت النفوس ، وصدقت القلوب ؛ ونشد الجميع الخير للغير ؛ فأنزل الله علينا سكينته ورحمته ، وغمرنا الله ببركات„ دائمة„  في الرزق والمال والولد والأعمار ... فيا حبذا الحياة الأولى الخيرة ويا حبذا النفوس الطاهرة النيرة .
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد