إنتبهوا لأنفسكم .. ‎

mainThumb

20-07-2015 02:30 AM

 سواء كنت ضعيفا” أو قويا” ؛ جميل الوجه أو دميمه ؛ أبيض البشرة أو أسمرها ؛ ....  مهما كان شكلك أو لونك أو بنيتك أو جمالك ونظارة وجهك ؛ فسينال منك الزمن وستحطمك الأيام وستطويك الليالي المتعاقبة ؛ شئت ذلك أم أبيت ....
 
         سينحني ظهرك انحناءة عكازك ؛ وسيطيح بك الدهر ؛ وسيسرق منك العمر بالساعة والدقيقة والثانية ؛ وستطويك السنين دون وجل منك ، وستتهاوى كل آمالك القديمة والحديثة ، وسيتمكن منك الأجل والموت ؛ شئت ذلك أم أبيت !
 
        لست الوحيد في دنياك كي تبقى إلى الأبد  ، فقبلك رحلت أجيال وأجيال ، وتحت أقدامك طويت أمم بعد أمم ، وعلى دنياك تعاركت جيوش وطارت عروش ؛ وكلهم طحنتهم الدنيا فما بقي منهم أحد  ؛ وكانت الغلبة لله الواحد القهار ؛ فهو الأول والآخر والخالد وكل من سواه زائل بائد  ؛ قال تعالى  : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )  ، فكل من وطئوا دنياك من قبلك رحلوا وكانوا خبرا” من الأخبار ؛ حيث أسقطهم الموت من كل قواميس  الحياة وكانوا أثرا” للمتأملين وعبرة للمعتبرين ، فكأنهم لم يمكثوا فيها إلا عشية أو ضحاها ...    قال تعالى :  أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون .
 
وقال تعالى :  ( قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين ( 112 ) قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ( 113 ) قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ( 114 ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ( 115 ) ) .
           إذا رأيت الكهل العاجز يترنح أمامك فلا تتعجب لضعف جسده ولتلاشي قوته ؛ ولا تتعجب من تجاعيد وجهه ومن انحناءة ظهره ، ولا تتعجب من ضعف ذاكرته وقلة حيلته ، ولا تتباهى أمام هذا الكهل المسكين بشبابك وقوتك وفتوتك ؛ فهذا الكهل كان بالامس القريب او البعيد : فتى” يانعا” وشابا” مقبلا” طامحا” ؛ وكان بهي الطلعة ؛ قوي البنية ، وحمل الأثقال وأعطي دون كلل أو ملل ، وقد يكون هذا الكهل هو أكثر منك فتوة ووسامة  في فترة عنفوانه وشبابه ... ولكن كان للزمن كلمته وكان للأيام دورتها فأوصلته لهذا الحال ولهذا المآل  ...
 
          أنظر لتلك العجوز المتأرجحة والشمطاء ...  ؛ هل رأيت عيونها الغائرة ونظراتها الحائرة  ؟ هل لاحظت بشرتها المتجعدة وأسنانها المتساقطة وجسدها الواهن والمتهالك  ؟؟؟ ... في الماضي البعيد أو القريب  : طرق كثير من الخطاب أبوابها ، وسحرت المحببن وسرت الناظرين ؛ وفتنت الشعراء فأنشدوا لها كل شعر جميل .... ولكن الدهر دار دورته القاسية ، وفعل بهذه العجوز كل الأفاعيل !!! وركبت الحياة الدنيا طبق عن طبق حتى غدت اليوم على هذه الحالة الهالكة والبائسة ؛ خيال لإنسان أو صورة مشوشة لأمرءة هزيلة وبائسة  ... فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا تخدعنكم الأيام ، ولا يلهينكم الشيطان بكثرة التسويف وبتجديد الآمال ؛ فالحياة الدنيا هي أسرع وأحقر واتفه مما تظنون ، فجددوا ايمانكم بلا اله الا الله ، وأبكوا على خطيئتكم كل ساعة ، فالموت غدا” سيلاقيكم والأجل حتما” سيفنيكم ؛ شئتم ذلك أم أبيتم  ... قال تعالى : فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق  ( صدق الله العظيم )  ...  (طبفا عن طبق ) وتعني :  المراحل والأحوال المتعاقبة للحياة الدنيا والأهوال والإحوال المتعاقبة للحياة الآخرة بعد الموت .
 
وقال تعالى :  ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( 12 ) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ( 13 ) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ( 14 ) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( 15 ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( 16 ) ) . صدق الله العظيم .
 
       حين كرر والدي ـ رحمه الله ـ خلال سرده لحكاياته القديمة : بالأمس كنا أطفالا صغارا” ونلعب بكذا وكذا ... وبالأمس كنا أطفالا صغارا” ونفعل كذا وكذا ... كنت أقول في نفسي دائما” : يااااااااا ...  أربعين سنة رجع بها والدي إلى الوراء وهو يردد : بالامس ... وبالامس  !!! أربعة عقود كنت أخالها في تلك الفترة من طفولتي طويلة جدا” ومملة وبعيدة  .... ولكنها مرت علي بسرعة البرق ؛ وأوصلتني السنين لنفس عمر والدي  ؛  وها أنا اليوم أكرر على مسامع  أبنائي الصغار  ، نفس العبارات التي كررها أبي من قبل  : بالأمس التحقت بروضتي ؛ وبالأمس دخلت مدرستي ؛ وبالامس التحقت بوظيفتي وبالأمس فعلت كذا وكذا  ... ولا تستغربوا من قولي ولا من قول والدي : بالأمس وبالأمس  ؛ فالماضي في الذاكرة الإنسانية هو : لا شيء ، والقادم في الذاكرة الكونية هو : لا شيء ؛ والكون أمام العظمة الإلهية هو : لا شيء ؛ فلا تغرنكم الدنيا ولا يلهيكم اللاشيء ؛ وإنتبهوا لأنفسكم ؛ فأنتم سائرون في كل مراحل الحياة على خطى غيركم ، وستغادرون دنياكم الفانية كما غادرها غيركم ؛ شئتم ذلك أم أبيتم ... فإنتبهوا لأنفسكم .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد