إبتســــم للكــامــيرا ..

mainThumb

13-09-2015 09:43 AM

 أثناء تجوال الكاميرات التلفزيونية على المؤسسات والدوائر المختلفة وفي الطرقات والمولات لإجراء بعض اللقاءآت ، أو لإنتاح برامج تلفزيونية معينة ، يطلب المذيع من الأشخاص المتحدثين أمامه  : ( الإبتســـــامة للكــــامـيرا ) ...


وهذا يلزم المتحدثين نسيان همومهم ودفن مشاكلهم لبعض الوقت والإبتسامة العريضة للكاميرا ... وفعلا” يجتهد المتحدثون لإظهار الإبتسامة المطلوبة ، تمهيدا” لإتمام المشهد ولإنجاح اللقاء  ، وهذه الإبتسامة هي في الغالب  مفتعلة ؛ فللناس مشاكلها وللنفس همومها ...


توقفي يا أختي ؛ هيا إبتسمي للكاميرا ؛ هذه هي هديتك بمناسبة عيد الأم ! فما الذي تودين قوله للمسئول الذي قدم لك هذه الهدية بمناسبة عيد الأم ؟ وتبتسم هذه الأم المهمومة  والمتعبة لتلك الكاميرا التلفزيونية ، وتبدأ بتقديم شكرها المتواصل للمسئولين المعنيين على هذه اللفتة الكريمة ...  


وأنت أيها المريض الراقد بعد العملية ؛ الحمد لله على السلامة يا أخي  ؛ هذه هي هديتك بمناسبة يوم المريض العالمي ؛ فما الذي تود أن تقوله للأطباء ولإدارة المستشفى ؟ وماذا تقول لوزارة الصحة بهذه المناسبة الكبيرة ؟ ... ويدوس هذا المريض على كل أوجاعه ويتحامل على آلامه ويخفي أمام الكاميرا أناتة ؛ ويجتهد لإظهار ابتسامته المطلوبة للكاميرا ؛ ثم يبدأ بصرف سلسلة طويلة من الشكر للأطباء المشرفين على علاجه ، وينتقل بعدها لتقديم الشكر الكبير لإدارة المستشفى وإلى وزارة الصحة ، ولا ينسى هذا المريض الموجوع تقديم الشكر والإمتنان للمسئول الذي تذكره بهذه اللفتة الكريمة  ...


وكما هو الحال في لقاءآتنا التلفزيونية والتي تتطلب من المتحدثين الابتسامة العريضة للكاميرا التلفزيونية ؛ ولو كانت مفتعلة ؛ ففي حياتنا اليومية مواقف كثيرة مشابهة ، مواقف تتطلب منا مداومة الإبتسامة ـ ولو كانت زائفة  ـ  لكاميرا الناس والمجتمع والحياة ...


يعلو صراخ الزوجين ويحتد النقاش بينهم ويسمع السباب والشتم  ، وفجأة يتوقف هذا الصراخ بعد سماع الزوجين لزامور سيارة أحد الأقارب أو الأصحاب بعد توقفها أمام المنزل ... لا تتكلمي بحرف ! وأنت لا تتكلم بحرف !  وينزل الزوجان مرحبين ومهللين بالضيوف وبالزائرين ، وبعد إظهار الزوجين للإبتسامة المطلوبة لكاميرا الناس والمجتمع والحياة ، يجلسون مع الزائرين في سهرة عنوانها الهدوء والكلمة الرقيقة والإبتسامة اللطيفة والمطلوبة لكاميرا الناس والمجتمع والحياة ...


يتخاصم الإخوة على شيء من حطام هذه الدنيا ، ويسود الفتور والجفاء وتبدو القطيعة ؛ ولكن الإخوة يضطرون للإجتماع خلال المناسبات العامة أو الاعياد الدينية ، ويتظاهرون أمام الملأ وأمام الناس بأنهم أخوة أعزة !  ويتظاهرون بأنهم يد واحدة وقلب واحد ، ويداوم هؤلاء الإخوة على إظهار إبتساماهم المطلوبة لكاميرا التاس والمجتمع والحياة ...


إن كثيرا” من تصرفاتنا مغلفة بالابتسامات الزائفة والمفتعلة لكاميرا الناس والمجتمع والحياة ؛ ولكن ؛ تبقى إبتسامة المظلوم في وجه الظالم تفاديا” لشروره وخوفا” من جبروته هي الأقسى على النفوس والقلوب الحرة الأبية   ... (    ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد  )  .


إن الإبتسامة للفقير واليتيم والمريض والعليل هي أخلاق محببة عمد الله ، وكل إبتسامة في وجوه المسلمبن وغير المسلمين تخرج صادقة وخالصة لله فسيثاب فاعلها  ، وكما ورد في الحديث التبوي الشريف : تبسمك في وجه أخيك صدقة ... ولكن بعض الناس بالغوا في لعبهم لمثل هذه الأدوار الكاذية والزائفة أمام كاميرا الناس والمجتمع والحياة ، حتى سقطوا أخيرا”  في براثن الشرك والكذب والنفاق  ؛ والمصيبة أن بعضا” من هؤلاء يتظاهر بالورع والتقوى أمام كاميرا الناس والمجتمع والحياة ؛ ويظهر خلاف ما يبطن ؛ ويؤدى صلاته بهدوء وخشوع وروية ، ويعد إنهاءه للصلاة يقدم مواعظه لعامة الناس ، ويداوم على أداء العمرة بعد العمرة  ....


وينبهر بهذا الشخص كل الذين حوله قائلين : ما أروع هذا الورع ! وما أجمل هذه المواعظ والعبر ؛ وما أتقى هذا الرجل  وما  ...  !!!

فإن تقربوا منه أكثر وأكثر ؛ تجلت لهم حقيقته البشعة ! فوجدوه من التجار المحتكرين والغشاسين والمرابين ، أو من الموظفين المرتشين والمتملقين والمتزلفين ، أو وجدوه من الذين لا يتورعون عن ابتلاع حقوق الآخرين بأية وسيلة ، وربما كان من العاقين لآباءهم أو من القاطعين لأرحامهم  .... !!! وسيكتشفون في نهاية الأمر بأن هذا الشخص يظهر خلاف ما يبطن ، وأن كل تصرفاته مفتعلة لتسويق النفس أمام كاميرا الناس والمجتمع والحياة ... ليس إلا !!! .   



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد