العصافير المهجرة

mainThumb

15-08-2016 12:33 AM

من الطبيعي وجود الطيور أو الكائنات الحية المهاجرة فهذه رحلة طبيعية في حياة الكائنات الحية خلال بحثها الدائم عن الكلأ والطعام والدفء والمأوى ... 

       
          ولكن التهجير القسري من الأوطان هو المصيبة وهو الأصعب على الإنسان وعلى كل الكائنات الحية ... فعندما تجد الكائنات الحية نفسها بلا وطن ، فهنا ستحدث الصدمة وستكون المفاجئة ؛ فعندها سيجد الكائن الحي نفسه مشردا” وتائها” وضائعا في هذه الدنيا دون مأوى أو وطن ...       
             
          وبامكانكم ؛ أيها الأخوة ؛ أن تسألوا الشعب الفلسطيني أو الشعب السوري والعراقي وأن تسألوا كثيرا من الشعوب المشردة عن لوعة ومرارة فقدان الوطن ...
      
            ثلاثين سنة هي عمر شجرتي ( الواشنطونيا ) والتي قرر زارعوها بعد تلك السنوات قطعها ... وباستخدامهم للمنشار الكهربائي تم قطعهما ; ثم جرى تقطيعهما وخلال ساعة واحدة ... 
 
           دقائق معدودة كانت كفيلة بالأطاحة بثلاثين سنة من النمو اليومي ، ومن الحياة المتجددة والمتجذرة لهاتين الشجرتين الشاهقتين ؛ دقائق قليلة أنهت الأوكسجين المتجدد ، وأزالت حلقة أساسية من حلقات هذه الحياة ... أسقطوا هاتين الشجرتين فتطايرت الأعشاش منهما ؛ وقطعوا جذوع وأغصان هاتين الشجرتين لتصبح وقودا للتدفئة ... وبعد ساعة واحدة حملوها في شاحناتهم ثم غادروا المنطقة ... 
           
          ولكن المشهد المثير حصل قبيل فترة الغروب ،،، عندما عادت العصافير المتعبة إلى أعشاشها ومرقدها وإلى نومها ... كانت صدمة العصافير كبيرة لفقدانها موطنها  ... وتساءلت بحيرة شديدة ...  أين الشجرتين ؟  ... أين الوطن وأين المأوى؟ فوجئت العصافير بازالة موطنها الذي عشقته وأحبته من على الخارطة . وهو الوطن الذي آواها وآبائها من قبل ولسنين طويلة بكل أمن وأمان وسلام  ...فوجئت العصافير بموطنها الذي تلاشى فكان أثرا بعد عين  ... كان المنظر مثيرا جدا لكل مراقب لما جري  ... الآلاف من العصافير تدور وهي مصدومة ولا تدري ما الذي ينبغي عليها أن تقعله ، فمأساتها  كبيرة بزوال موطنها من على الخارطة  ...  سادت الفوضى وعم الإضطراب سلوك العصافير المندهشة ، وبدت عليها علامات الحيرة ، و بدا عليها الاضطراب الشديد في الزقزقة ... ولكن لا وقت للحيرة الآن  ، ولا وقت لديها لتضعيه ، فالظلام بدأ يقترب ، وكان عليها سرعة البحث عن موطنها الجديد لكي تستوطنه ... 
       
                انطلقت تلك العصافير المهجرة للبحث وبسرعة عن موطن جديد لتسكنه ، موطن يأويها  في تلك الليلة البائسة والحزينة ولو بشكل آني ومؤقت   ... 
           
           ولم تجد تلك العصافير كثير من العناء لتجد هذا الوطن وذلك المأوى ،  وتشاركت مع مجموعات أخرى  من العصافير في بيوتها وأعشاشها المبنية والمنتشرة على الأشجار الأخرى العالية ... 
     
                 لم تحتاج العصافير هذه المهجرة للبحث للطويل ، ولم تحتاج إلى كرت دخول ولا إلى فيزا هجرة ، ولم تحتاج إلى كثير من المغامرة ، ولا إلى مشقة الانتظار الطويل على الحدود المغلقة   ...  واستقبلتها العصافير المستوطنة للاشجار البعيدة ، ورحبت بها العصافير المستوطنة للأشجار القريبة ... وقالت لها : كلنا مخلوفات لاله واحد ...  وهذه الأرض هي ملكه سبحانه ... وما حل بكم اليوم قد يداهمنا غدا ... فأهلا وسهلا بكم جميعا من غير منة ؛ أهلا وسهلا بكم فكلنا أخوة   ...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد