حقيقـــة ..

mainThumb

19-09-2016 12:00 PM

الناس يثنون على الطالب المثابر والمجد والمجتهد ... ويفتخرون بطالب الطب والهندسة أو الماجستير والدكتوراه الذي يصل الليل بالنهار وينكب على البحث والمطالعة والمذاكرة بكل شغف ...        

            
والناس يصفقون لمن أفنى شبابه لتحصيل شهادة جامعية ويقدرون له جهوده ... وإن سمعوا عن طالب أعياه طول السهر ، وشحب لونه ونحف جسده بسبب الدراسة والبحث والاستعداد والمطالعة   ... ، فإنهم يقولون له : جهودك مباركة ومثمرة ان شاء الله ... وسيثنون على كفاحه الموصل لنجاحه  ... ولو إغترب طالب وسافر إلى بلاد بعيدة ، ولو فارق الأهل والأحبة ، ومكث في غربته لسنوات طويلة ... فسيقول له الناس  :  إصبر يا هذا ؛ فإن الشهادة تأتي بالكد والتعب والإرادة ...  والنجاح لن يأتي دون كفاح  ...
             
الناس يعترفون بالكفاح الموصل للنجاح ويعترفون بالإرادة الموصلة للشهادة ... ولكن كثير من الناس لا يتفهمون ولا يصدقون ما سمعوه وقرأوه عن سيرة وحياة الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والتي تتحدث لنا عن تضحياتهم المتواصلة على طريق الشهادة ، وتبين ضخامة ما عانوه وما قدموه طمعا بالدرجات العليا  يوم القيامة  ...
       
ذكرت الأحاديث الشريفة بأن رجلا” من بني اسرائيل جاهد ثمانين سنة متواصلة ... فقال كثيرون : هذا ضرب من الخيال ...  وهذا محال ... !!! ...  وذكرت كتب السيرة بأن أبا بكر الصديق ـ رضي  الله عنه ـ أنفق كل أمواله في سبيل الله ... فردد كثيرون :  هذا ضرب من الخيال ... وهذا محال ... !!!! 
      
ولكنها الحقيقة الساطعة ... فالصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ملكوا الإيمان الحقيقي والإرادة العظيمة ؛ والتي جعلتهم يقومون ويصومون ويجاهدون ويصبرون ويضحون وينفقون كل ملكوه في سبيل الله  ...  إننا نتعجب اليوم من مآثرهم ومن تضحياتهم الهائلة ، ونستغرب من إيثارهم لغيرهم ولو كان بهم خصاصة ، ونتعجب من صبرهم على الجوع والمرض و ... وسبب العجب والاستغراب ؛ لإننا ابتعدنا عنهم كثيرا ... .
       
ولماذا لا يصدق الناس ما قرأوه وسمعوه عن سيرة الصحابة والتابعين ... ؟ والله تعالى شهد لهم بقوله  : ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون ) ... ووصفهم بقوله  : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ... 
               
لله درهم عندما آمنوا بربهم حق الإيمان وفهموا أن : القدوم ستعقبه المغادرة ؛ فأستعدوا جيدا” لساعة المغادرة ... واتخذوا من حياتهم قنطرة عبور للآخرة ... ووصفهم رب العالمين بقوله : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (29)  ...  وقال الله  عنهم بأنهم : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار  )  .
      
الصحابة الكرام داوموا على الذكر وعلى تلاوة وتدبر القرآن ، وانفقوا الصدقات وحرصوا على الإخلاص في كل العبادات ... وشدوا المئزر وأعدوا العدة وتجهزوا وتنافسوا وجاهدوا في سبيل الله ... إنهم رجال وجهوا كل طاقاتهم وجهودهم لنيل أرفع الدرجات ولبلوغ المراتب العليا عند رب السموات ... فبلغوها حينما  ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) .
              
عندما ابتعدنا عن طريق الحق استغربنا من سالكيه ... وعندما انحرفنا إلى ظرثق الباطل ألفناه ، حتى انقلبت لدينا كل المقاييس والموازين واختلطت الرؤيا أمامنا ... فتخيلنا الدخان سحاب والسراب ماء ... !!!
هذه هي الحقيقة .
   
يقول أحد الدعاة : إن المقارنة بيننا وبين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وتابعيهم والسابقين الأولين  ... هي كالمقارنة بين طائرة بلاستكية ( للعب الاطفال ) وبين طائرة حقيقة ( لنقل الركاب )  ... !           
 
            ويقول داعية آخر : إن المقارنة بيننا وبين الصحابة ـ رضي ان الله عنهم ـ  وتابعيهم والسابقين الأولين ؛ هي كالمقارنة بين  نكهات العصائر وبين العصائر الطبيعية ... !!!  
   


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد