بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: التلاعب بالترقيات الأكاديمية لأعضاء الهيئة التدريسية
ربما تكون الرسالة التالية ذات طابع شخصي في شكلها، لكنها قضية جوهرية في مضمونها، لأنها – برأينا- تمس جوهر العمل الأكاديمي ونزاهته في الجامعات الأردنية برمتها، وتنعكس بالتالي - ايجابا أو سلبا - على سمعة المؤسسة التعليمية الأردنية في الداخل والخارج. لذا، سادعو الجميع للوقوف جدّيا على حيثيات هذه القضية، للتأكد أولا من صحة كل كلمة واردة فيها (متحملين المسؤلية القانونية والأخلاقية إن ثبت عكسها). ومعالجة الخلل ومحاسبة المتورطين فيها - إن ثبتت- ثانيا. فهذه القضية هي صورة من صور الفساد الذي لا يجب السكوت عليه في مؤسسات التعليم العالي ، وتنطوي على اساءة استعمال السلطة بشكل فاضح. فمن يتورط في قضية كهذه هو (في ظننا) شخص تنقصه الكفاءة الإدارية والأخلاقية حتى يكون مسئولا في واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي في هذا البلد الكريم. وحتى لا أطيل على الجميع، سأبدا بتسطير الخطوط العريضة للقضية، والوقوف عند أهم محطاتها التي مررت بها سنوات طويلة، تاركا الحكم فيها لأفراد المجتمع بشكل عام وللمسؤلين عن ملف التعليم العالي في هذا البلد بشكل خاص آملا أن يتم انصافي واعادة الاعتبار لي، ومحاسبة المسؤولين.
أما بعد،
بدأت القصة المأساة الاولى عندما تقدمت بطلب للترقية للمرة الاولى لرتبة أستاذ مشارك في عام 2011، فكان ملفي يحتوي على (7) ابحاث علمية منشورة ومقبولة للنشر في مجلات علمية محكمة، واجتاز طلب الترقية كل الاجراءات الرسمية وفق الاصول ووفق التعليمات النافذة وحصل على موافقة المجالس المختصة من مجلس القسم وحتى مجلس العمداء، وبعد انتظار وترقب وصلني قرار مجلس العمداء برد طلب الترقية وتبرير ذلك على نحو ان تقارير المحكمين الخارجيين كانت سلبية حسب ما ابلغت به من قبل إدارة الجامعة حينئذ. وعلى الرغم من أن وقع ذلك القرار عليّ وعلى اسرتي كان ثقيلا جدا، إلا انني حمّلت نفسي مسؤولية هذا الاخفاق وعزمت على أن أبذل قصارى جهدي في المحاولة القادمة. فعمدت إلى مضاعفة الجهد لإعداد أبحاث جديدة، تؤهلني لأن أتقدم للترقية من جديد بأسرع وقت ممكن. وبالفعل هذا ما حصل بعد حين.
كانت المحطة الثانية في هذه المأساة عندما تقدمت للترقية للرتبة ذاتها (أستاذ مشارك) من جديد (بسبب الفشل الذي منيت به في المرة الأولى)، فقد آثرت حينها أن استبدل بعض الأبحاث القديمة بأبحاث جديدة، حيث استبدلت اثنين من الأبحاث القديمة وأضفت بدلا منها أربعة أبحاث جديدة، نشرت في مجلات عالمية ذات سمعة دولية مرموقة، فكان مجموع الأبحاث التي تقدمت بها هذه المرة هي (9) أبحاث علمية جميعها منشورة في مجلات علمية محكمة، وبلغ مجموع ما قدمت في المرتين (11) بحثا ، وهذا يصل إلى أكثر من ضعف العدد المطلوب للترقية لأستاذ مشارك في جامعة اليرموك ، وهو خمسة بحوث ، ويزيد عن عدد الابحاث المطلوبة للترقية إلى رتبة استاذ دكتور (بروفيسور ) بأربعة أبحاث، وذلك وفقا لنص المادة 8 من تعليمات الترقية لأعضاء الهيئة التدريسية في جامعة اليرموك رقم 1 لسنة 2012 الصادرة بموجب المادة 17 من قانون الجامعات الاردنية رقم 20 لسنة 2009 وتعديلاته . وكان الأمل يحدوني أن أنجح هذه المرة بالحصول على الترقية بكل جدارة واستحقاق بعد ان أضفت وجودت في ابحاثي لتفادي ما حصل معي في طلبي الاول. لكن كانت المفاجأة التي ربما فاقت قدرتي على الاستيعاب والتحمل هو قرار مجلس العمداء برد الترقية للرتبة ذاتها (استاذ مشارك) للمرة الثانية، وللأسباب ذاتها المتمثلة بأن تقارير المحكمين الخارجيين كانت سلبية.
ولكن لمّا كانت إرادة الله – لا محالة - أقوى من كيد الكائدين، بدأت ترشح المعلومات من هنا وهناك، وبدأت خيوط المؤامرة تتبين شيئا فشيئا، وما كان ذلك إلا بسبب بعض الخلافات التي نشبت حينئذ بين المتآمرين أنفسهم. وبرز من بين جميع أعضاء مجلس العمداء حينئذ من لم يرض أن يبيع ضميره إرضاء للرئيس وطاقمه حينذاك، فآثر الاستقالة على المضي قدما في المؤامرة. وهنا بدأت المفاجآت تتوالى. فتناهى إلى علمي بأن الترقية قد ردت على الرغم من ان تقارير المحكمين كانت جميعها ايجابية وتوصي بالترقية ، على عكس ما أُبلغت به من قبل دائرة الرئاسة في جامعة اليرموك.
وهنا بدأت المحطة الثالثة من هذه المأساة. فبعد عدة مراجعات للرئيس وأعوانه، وبعد بعض الاجتماعات غير المثمرة مع كثير من المسئولين ذوي العلاقة بالأمر، انتهى بي المطاف في أروقة المحكمة.
وكان الهدف الرئيس من اللجوء للمحكمة النظامية هو الحصول على المعلومة الرسمية الصحيحة من بين أيدي المسئولين الذين تضاربت أرائهم جميعا فيما يخص طلبي للترقية للمرة الثانية.
وكانت المفاجأة المدوية في قاعات المحكمة الموقرة قد تمثلت في أن الدائرة القانونية في الجامعة قد قدّمت للمحكمة المختصة وثائق مزورة (ومن أراد صورة عن تلك الوثائق فهي بين أيدينا حتى الساعة)، ولكن لما كانت اجراءات المحاكمة غاية في الدقة والمهنية، تم اكتشاف التزوير في بيانات الخصم، وتمكنت المحكمة الموقرة من الحصول على الوثائق الحقيقية، وتبين للمحكمة حينها بأن تقارير المحكمين الثلاثة كانت جميعها ايجابية.
واستنادا الى ذلك قضت المحكمة الموقرة بإلغاء قرار مجلس العمداء الذي أوصى بعدم ترقيتي في المرة الثانية ، واعتباره كان لم يكن ، حيث انه مشوب بعيوب مخالفة القانون وانعدام السبب والتعسف باستعمال السلطة ( قرار محكمة العدل العليا رقم 16 الصادر في الدعوى رقم 491 /2012بتاريخ 12 /6/2013 ). وبعد قرار المحكمة اجتمع مجلس العمداء واتخذ قرارا بترقيتي الى رتبة استاذ مشارك استنادا إلى تقارير المحكمين ذاتها، ودون الحاجة إلى تقديم بحوث جديدة أو إرسال الترقية مرة اخرى إلى محكمين مما يشكل ادانة واضحة لرئيس المجلس واعضائه ، وهو دليل أيضا - لا يقبل التأويل- على التلاعب الذي قام به المجلس في ترقيتي، وإلاّ كيف يتخذ المجلس ذاته قرارين متضادين لنفس الطلب!! .
ولمّا لم يهدأ لي بال بسبب الظلم الفادح الذي وقع عليّ، قررت أن استقصي عن مدى صدقية قرار مجلس العمداء في المرة الاولى، فالمجلس الذي خالف أصول النزاهة والشفافية والمصداقية في ممارساته بخصوص طلبي للترقية في المرة الثانية كما اوضحت سابفا، ما كان ليمنعه ضميره الجمعي أن يكون قد تعامل بنفس الطريقة للمرة الثانية.
وقد امضيت السنوات وأنا أحاول الحصول على تقارير المحكمين حول طلبي الأول للترقية ولم أتمكن من ذلك للسرية الزائفة التي تحيط بموضوع الترقيات. ولما شاء الله أن يكشف المستور وان يميط اللثام عن مؤامرة تقشعر لها الأبدان، فقد تمكنت أخيرا من الحصول على التقارير الكاملة حول طلب ترقيتي الأولى، وكانت المفاجأة التي وقعت على رأسي كالصاعقة والتي بسببها أكتب الأن قضيتي في هذه الرسالة ليعلم بها الجميع. فقد تبين لي بأن تقارير المحكمين في ترقيتي لرتبة استاذ مشارك التي تقدمت بها للمرة الأولى والتي ردها مجلس العمداء، والتي لم ألجأ بها إلى المحكمة لظني أن الأخفاق في ذلك كان بتقصير مني، قد كانت جميعها ايجابية، وتوصي بالترقية . فلقد كنت استحق الترقية منذ المرة الأولى، وما كنت بحاجة أن أتقدم مرة أخرى للترقية لترتبة أستاذ مشارك. فلو علمت بذلك في حينها أو حتى عندما رفعت القضية في المحكمة عندما ردت ترقيتي للمرة الثانية، لربما تغير مسار رحلتي الأكاديمية برمتها منذ ذلك الوقت. وكما قلت سابقا فقد أثرت الرضا بالقرار، وما لجأت إلى المحكمة عند رد ترقيتي للمرة الأولى لظني أن الخلل كان في ابحاثي، وما كان ليخطر على بالي حينها أن تصل عدم النزاهة عند إدارة الجامعة حينئذاك إلى ذلك الحد. وذلك لأني لم أكن يوما على خلاف مع أحد منهم. والمفاجأة ربما الأكثر غرابة في ذلك الملف المكتشف حديثا هو أنه في حين أن الترقية إلى رتبة استاذ مشارك تحتاج في العادة إلى ثلاثة تقارير، يكون اثنان منها فقط ايجابيا، كان هناك في ملفي المكتشف اربعة تقارير، ثلاثة منها ايجابية وواحد فقط محايد يقول ان التقدير العام يدور حول جيد (اي ليس سلبيا). وكأني بإدارة الجامعة كانت تبحث عمّن يرد ترقيتي في كل أصقاع الأرض. ولكنهم عندما فشلوا في العثور على من يبيع ضميره ، لجأوا هم أنفسهم إلى اسوا السناريوهات، فزوروا الوثائق الرسمية بأيديهم وأخفوها بين الأدراج المظلمة سنوات طويلة من الزمن. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، فخرجت الأوراق الرسمية الحقيقية إلى النور لترمي بهم في غياهب الجب بإذن الله. لقد كان ثمن هذه المؤامرة أن ترقيتي إلى رتبة استاذ مشارك قد استغرقتني ما يقارب سبع سنوات كاملة، وكان يمكن أن تتم (كما كانت حال كثير من أقراني) بأقل من خمس سنوات لو أن الأمور لم تجر على نحو ما حصل.
إن ما أحاول تسطيره في هذه الرسالة هو: هل فعلا تصل أخلاق رئيس مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي إلى هذا الحد من ...؟ كيف يتجرأ رئيس جامعة (وطاقمه) إلى التلاعب بالوثائق الرسمية بهذه الطريقة ...؟ هل يمكن أن يكون شخص كهذا مؤتمن على العملية التعليمية في أي بلد من بلدان الأرض؟ هل من المنطق أن يكون ذلك الرئيس نفسه في يوم من الأيام واحدا من أعيان البلد (مجلس الملك)؟ هل من المعقول أن يناط بهذا الشخص مهمة اختيار رؤساء للجامعات الاردنية الرسمية حيث ترأس او شارك في عضوية معظم لجان اختيار رؤساء الجامعات الاردنية ومنها جامعة اليرموك التي اقترف بها فعله الفاحش؟ والأهم من ذلك كله هو: هل هذا شخص (ومن دار في فلكه) يستحق أن يكون أستاذا جامعيا أصلا؟ إنني أعتقد جازما أن من يتلاعب في أقدس مسالة بالنسبة لعضو هيئة التدريس وهي الترقية يجب أن يكون مكانه السجن، لأن قضية الترقية قضية مقدسة تمس شرف وسمعة ومكانة ومستقبل عضو هيئة التدريس ، إضافة الى رزقه .
وفي الختام، أنا لا أسطر هذه الرسالة لأطالب المسئولين بحقوقي التي ضاعت بسبب انعدام ضمير شخص أخجل أن يكون زميلا لي كأستاذ جامعي، لأني سأحصل على حقوقي الضائعة إما داخل أسوار الجامعة إن قبلت إدارة الجامعة تسوية القضية دون جلبة، حيث أنني قابلت رئيس الجامعة الحالي وسلمته الأوراق منذ ما يقارب من شهر مطالبا بإنصافي، الاّ أنه لم يحدث شئ، أو أن أحصل عليها في قاعات المحكمة التي كشفت هؤلاء المارقين. لكني أسطر هذه القضية على الملأ، لأوصل من خلالها بعض الرسائل القصيرة والسريعة لأصحاب القرار في بلدي بشكل عام ولمسؤولي مؤسسات التعليم العالي بشكل خاص:
أولا، هل كانت قضية محمد تركي بني سلامة هي القضية الوحيدة التي تلاعب بها رئيس جامعة حالي أو سابق، رئيس باع ضميره وما تحمل مسئوليته بكل أمانة واقتدار؟ فهل هناك من هم مثل محمد بني سلامة لكن ما اسعفتهم الأقدار أن يكتشفوا حجم المؤامرة التي حيكت ضدهم؟ فكم عدد الذين أكلوا الطعم وسكتوا عليه؟ وهل كان ذلك لدفع شر أكبر خوفا من انتقام الرئيس صاحب الصلاحيات المطلقة في جامعاتنا؟ .
ثانيا: هل يفلت من يفعل فعلة كهذه دون عقاب لمجرد أنه قد تربع يوما على كرسي المسئولية؟ هل يحق لمن يقبع على كرسي المسئولية أن يفعل ما يحلو له ليقينه بأن أحدا لن يحاسبه مهما استغل منصبه وجار على من هم تحته؟ فالسؤال هو: إلى متى سيفلت المسئول من اساءة استخدامه السلطة الممنوحة له؟ ألا نرى في كل بقاع العالم (حتى في أدغال أفريقيا) أن المساءلة قد لحقت حتى بمن كان يوما رئيسا للدولة وها هو اليوم يقبع في السجون لأنه أساء استخدام السلطة؟ .
ثالثا: إلى متى تبقى حقوق العباد منة من صاحب القرار؟ أليست الترقية الأكاديمية حقا لعضو هيئة التدريس ما دام أنه قد قدم متطلبات الحصول عليها؟ فلم التكتم على العملية من أولها حتى آخرها ولماذا ينفرد الرئيس بها بعيدا عن الشفافية؟ هل لتبقى سيفا مسلطا على رقاب العباد لشراء الولاءات وتكميم الأفواه؟ لماذا لا يتم تعديل قوانين وانظمة الجامعات بحيث يتم تجريم التلاعب بالترقيات الاكاديمية؟ وإلى متى ستبقى الترقيات على عواهنها ويضطر الكثير من أعضاء هيئة التدريس اللجوء للمحاكم للحصول على حقوقهم؟ .
رابعا، أما الرسالة الأخيرة، فأوجهها إلى جميع زملائي، أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، لأقول لهم أنتم أداة التغيير الأيجابي في المجتمع ما دمتم تناصرون القضايا العادلة وما دمتم لا تسكتون على الظلم مهما كانت مكانة صاحبه، فأنتم لستم بحاجة إلى كسب ود المسئول بطريقة مبتذلة، وأنتم الذين لا يجب أن تخشون انتقامه، فقد كنت على الدوام ممن يقفون للإدارات المتعاقبة بالمرصاد إن هم شطوا – في ظني- عن جادة الصواب، وبالرغم من المؤامرات التي حيكت ضدي سنوات طويلة، والثمن الباهض الذي دفعته، إلا أنه كان في ذلك كله خير لي حيث كسبت ثقة واحترام زملائي وابناء شعبي ، و في نهاية المطاف، فقد بانت عورات بعض المارقين، وعاد الجزء الأكبر من الحق لاصحابه، وسنبقى نقاتل لانتزاع الحق كله رغما عن أنوف من حاولوا حرماننا منها سنين عديدة. الايام دول وسيعلم الذين ظلموا ان الله خير حافظ من قبل ومن بعد وهو أرحم الراحمين.
نسخة لدولة رئيس الوزراء الأكرم
نسخة لدولة رئيس مجلس الاعيان الأكرم
نسخة لسعادة رئيس مجلس النواب الأكرم
نسخة لمعالي وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأكرم
نسخة لمعالي رئيس الديوان الملكي الأكرم
نسخة لعطوفة مدير عام دائرة المخابرات الأكرم
نسخة لعطوفة مدير عام هيئة النزاهة ومكافحة الفساد الأكرم