الرشيد ينقذ الولاء للدولة

mainThumb

20-12-2022 03:30 PM

إن للتاريخ لقاحاً، إذا ما تعرضنا له أعطانا مناعة ضد النكسات والإخفاقات، حينها تكسب الأمة صحتها، والدولة قوتها، لتنهض في كل مجالات الحياة، وتحقق النجاح العلمي والعملي، وتكون لها بصمة في الإرث الحضاري الإنساني.
لا بد أن يكون الولاء للدولة، فتتصاغر معه جميع الولاءات الأخرى؛ للإقليم، والقبيلة، والحزب، والمهنة، والمستفيدين، والمتنفذين، وغيرها، بل تكون كل تلك الولاءات في خدمة الولاء للدولة، وإلا فإن الفرقة والشقاق سيحل مكان الوحدة والاتفاق، وبالتالي الضعف والاستكانة، ثم الإخفاق والفشل، لتكون فريسة سهلة لكل طامع أو متعدي.
فحين يضعف الولاء للدولة؛ تقوم مقامه الولاءات التي دونه، وقاعدة الولاء للدولة هي الإنجاز، وأركانه العدالة واللين والرفق والشورى، وأسواره سيادة القانون على الجميع، وكف يد الطامعين والمتسلقين، ومحاسبة الفاسدين والمقصرين والمعتدين، ومكافأة العاملين والمنجزين والمضحين، وسقفه الذي يظله هو الحياة الكريمة.
فحين ينهار السقف، ثم تبدأ الأسوار بالانهيار شيئا فشيئا، وتتصدع الأركان، وتضعف القاعدة، فيضعف الولاء للدولة لتحل مكانه تلك الولاءات التي دونه، فالمتنفذين والمستفيدين سيكون ولاءهم لمصالحهم الخاصة، والمواطن سيبحث عن ولاءات علّه يجد فيها الأمان؛ الإقليم أو القبيلة أو الحزب وغيره.
فهارون الرشيد عندما أدرك بأن البرامكة خرجوا من ولائهم للدولة إلى ولائهم لمصالحهم الخاصة، وبالرغم أنه تربى على أيديهم، وعاش بينهم، وكأنه فرد منهم، لكنه أدرك خطرهم على الدولة، ورغم قوتهم التي بنوها، وتغلغلهم في كل مفاصل الدولة، حتى أصبحوا كرة الثلج الكبيرة التي يصعب إيقافها، إلا أنه وفي ضربة استباقية محكمة قضى عليهم، وأعاد الولاء للدولة ورأسها.
وصقر قريش عبد الرحمن الداخل، يوحد الأندلس ويجعل الولاء فيها للدولة، بعد أن كانت الولاءات فيها للإقليم والقبيلة، للتصبح الأندلس دولة موحدة قوية بعد أن أنهكتها النزاعات الداخلية والحروب القبلية، ثم أقدم على وضع حد لأقرب الناس إليه عندما شعر بخطرهم على الدولة وانجازاتها والولاء إليها، حين قصدوا الولاء لمصالحهم الخاصة، فالفرق كبير بين من يكون ولاءه للدولة ورأسها من خلال مصالحه الخاصة، لأنه سيكون أول من يترك الولاء في حال فقد مصالحه، وبين من يكون ولاءه للدولة ورأسها ولاء مطلق، لما تحققه له الدولة من حياة كريمة وعدالة وانجازات، ليضحي بالغالي والنفيس من أجل ولاءه لدولته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد